هل عذاب البرزخ يكون على الجسد أو البدن؟ فيه أقول: القول الأول: قال به طائفة من أهل العلم ومنهم ابن حزم أن النعيم أو العذاب لا يكون إلا على الروح، ويستدل بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: (روح المؤمن طائر يطير في رياض الجنة) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء كحواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة).
وأيضاً ورد في تفسير قول الله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14] قال ابن مسعود: (الفجار) أي الكفار أرواحهم في حواصل طير سود تطير بهم في الجحيم في سابع أرض في سجين، في الأرض السابعة.
القول الثاني: أنه على البدن لا على الروح، وهذا لازم قول الإمام أحمد بن حنبل؛ لأنه قال: لا يسأل إلا البدن، فلازم قوله أنه لا يقع النعيم أو العذاب إلا على البدن، ويستدل لهم أيضاً بحديث المطرقة وحديث الحيات؛ لأن هذا العذاب لا يكون إلا على الجسد فقط.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثالث وهو الصحيح، وقد جمع شمل الأدلة، قال: يقع العذاب والنعيم تارة على البدن، وتارة على الروح، وتارة على البدن والروح؛ لأن المفارقة لا تكون كلية حتى ولو أن الجسد بلي، فالأجساد إن بليت يشعر بالألم عجب الذنب فقط، وأما الأحاديث التي استدل بها من قال بالروح، والأحاديث التي استدل بها من قال بالبدن فالذي يجمع بينها حديث الإسراء والمعراج، والنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في البرزخ، فهذا فيه عذاب البدن والروح، بل ورأى عمرو بن لحي وهو في النار قال: تندلق اأقتابه وهو يدور حول أمعائه؛ لأنه سيب السوائب، فالنبي صلى الله عليه وسلم رآه جسداً وروحاً، ورأى كذلك الزناة والمرأة التي تعلقت من ثديها وتحتها نار، فهذا إشعار بأن النعيم والعذاب يقعان على البدن والروح.