هل سؤال الملكين عام أم خاص؟ يعني هل يشمل كل الناس أم يستثنى منه أناس؟ نقول: هذا السؤال عام في كل الأمم، في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي اليهود من باب أولى أما في اليهود فبالنص؛ لأن يهودية قالت لـ عائشة: ((تفتنون في قبوركم)) فهذه اعتقدت أنهم سيفتنون في القبور، والأمم السابقة أيضاً تفتن بقياس الأولى، إذ إن الله جل وعلا رفع الأغلال ورفع الآصار عن هذه الأمة، وهذه الأمة مرحومة تعمل عملاً قليلاً وتأخذ أجراً كبيراً، فإن كانت ستفتن في قبرها فمن باب أولى الأمم الأخرى.
والمستثنى من السؤال أو من فتنة القبر أصناف من الناس: الصنف الأول: الشهداء -جعلنا الله وإياكم منهم- فالشهداء يقيهم الله جل وعلا فتنة القبر العظيمة الشديدة، فالملكان الأسودان الأزرقان، اللذان ترتجف وتتصدع القلوب والأفئدة من هول ذلك الموقف، ينجي الله جل وعلا الشهيد من هذه الفتنة ولا يسأل في القبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوه: (يا رسول الله! ما بال الناس يفتنون في قبورهم ما عدا الشهداء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى ببوارق السيوف فتنة) والعلة في ذلك: أن سؤال الملكين في القبر هو اختبار لصدق المرء، هل آمن بصدق أم كان من المرتابين أم كان من المنافقين؟ والشهيد قد بين وأظهر صدقه بأنه بذل روحه فداء لهذا الدين، وإرضاءً لله جل وعلا، ولذلك ألحق بعض العلماء الصديقين مع الشهداء، وقالوا: إن هذا من باب أولى، وفيه نظر؛ لأن القياس في الغيبيات لا يصح، فالغيبيات لا يصح فيها إلا النقل لا العقل، لكن بدقة النظر للعلة نجد أن السؤال هو اختبار للصدق، والصديق قد ظهر صدقه من أول إيمانه فهذا لا يسأل في القبر وإن كان في الأمر نظر.
الصنف الثاني: المرابطون على ثغور الإسلام.
فهؤلاء نجاهم الله من فتنة القبر كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر ومن قيامه، فإن مات أجري عليه عمله ورزقه وأمن الفتان) أي: أمن فتنة سؤال القبر، فهنيئاً لمن يرابط على ثغور المسلمين فهو يؤمَّن من فتنة القبر أيضاً.
الصنف الثالث: الأطفال؛ لأن السؤال في القبر من أجل التكليف والاختبار والصبي ليس بمكلف فلا سؤال للصبي.
الصنف الرابع: المبطون، فإن المبطون شهيد، وهو يلحق بالشهيد، وقد وردت الآثار بأن الذي مات بداء البطن يؤمَّن من فتنة القبر.
الصنف الخامس: الذين يقرءون سورة تبارك كل ليلة، وهذا يكون على حسب الديمومة.
وكذلك الذي يستديم قراءة سورة البقرة كل يوم وليلة يؤمَّن من فتنة القبر أيضاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن سورة الملك: (هي المنجية هي المانعة) أو قال: (سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها من عذاب القبر) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
الصنف السادس: من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، فهذا من الذين يؤمنهم الله جل وعلا من فتنة القبر.