بعد الضمة يأتي إليه ملكان يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وورد في ذكر فتنة القبر أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، وأنكرها كثير من المعتزلة وأهل الكلام كما سنبين.
من هذه الأحاديث: حديث البراء الطويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل المرء إلى قبره جاءه ملكان فيقعدانه فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيك؟ فإن كان من المؤمنين قال: ربي الله، وديني الإسلام، وعن الرجل يقول: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال: صدقت، أما إن كان من الآخرين فيقول: ها، ها، لا أدري، فيضرب ضربة يصعق منها كل الخلائق إلا الثقلين، فيقال له: لا دريت ولا تليت) وهذا الحديث يثبت سؤال الملكين.
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الملكين بأنهما أسودان أزرقان، تتصدع القلوب وترتجف من هول الموقف، لا يستطيع أن يثبت في هذه الفتنة إلا من ثبته الله؛ ولذلك ارتجفت قلوب الصحابة لما علمت بمنكر ونكير وعندما علمت بسؤال الملكين، فالله جل وعلا طمأن قلوبهم بهذه الآية العظيمة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27] فأول منازل الآخرة القبر، فإن الله يثبت ويلهم الحجة المؤمن الخالص الذي تعبد لله في الدنيا، وتعرف إلى الله في الرخاء فعرفه الله في الشدة.
ومن الأحاديث التي تثبت سؤال الملكين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما أُدخل أحد القبر إلا وقال: (سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل) فهذا نص يبين سؤال الميت في قبره.
وورد حديث عام في الصحيحن عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما دخلت عليها اليهودية تبين لها فتنة القبر فاستنكرت ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما دخل عليها وعرضت عليه كلام اليهودية (إنكم تفتنون في قبوركم) والفتنة عامة من سؤال ومن عذاب، وهذا يدل على أن الملائكة تسأل العبد في قبره.
وقد أنكر بعض المبتدعة سؤال الملكين في القبر، وأنكروا عذاب القبر، وسنبين الشبه التي احتجوا بها، لكن الخلاف بين أهل السنة والجماعة: هل سؤال الملكين على الروح أم على البدن أم على الروح والبدن؟ القول الأول لجمهور أهل السنة والجماعة: أن سؤال الملكين للميت يكون على الروح وعلى البدن؛ لأن الأحاديث صرحت أن روح المرء ترجع إلى جسده عندما يقبض، فيأتي الملك فيجلسه بروحه وجسده ويسأله فيجيب بروحه وجسده، والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما ابن حزم فقال: السؤال لا يكون إلا على الروح، وفي قول للإمام أحمد بن حنبل، أن السؤال لا يكون على الروح بل يكون على البدن.
قال ابن حزم: الأحاديث التي أثبتت نعيم أو عذاب تثبت أن ذلك على الروح، وأن أرواح الشهداء كحواصل طير خضر تعلق من أشجار الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في روح المؤمن: (نسمة كطائر تسرح في رياض الجنة)، فكل الأحاديث جاءت على الروح ولم تأت على البدن، وخالف ذلك أحمد بن حنبل وقال: السؤال لا يكون إلا على الجسد، واستدل على ذلك أن الضرب والعذاب يكون على الجسد، والله قادر أن يجعل الجسد ينطق كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} [يس:65] وبين الله جل وعلا في أكثر من آية أن الأيدي تتكلم وأن الأرجل تتكلم وأن الله يختم على الأفواه، فالله قادر على أن يجعل السؤال للجسد والجسد هو الذي يجيب.
والصحيح الراجح في ذلك: أن السؤال على البدن وعلى الروح، وأن الروح ترجع إلى الجسد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح ترجع إلى الجسد، ثم يجلس فيسأله الملك فيجيب.