جاءت الأحاديث الصحيحة تبين شمائله الكريمة ففي الصحيحين أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه غضب يوماً فاشتد على عمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم استسمحه فلم يسمح له عمر فقال: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قص القصة على الرسول قال: والله لقد استسمحته، فلم يسمح لي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من عمر وأفضل الأمة على الإطلاق: (يغفر الله لك يا أبا بكر، يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر) فكرر ذلك تأكيداً، فلما بلغ ذلك عمر ندم على ما فعل وذهب إلى بيت أبي بكر فقال: أثمَّ أبو بكر فقالوا: لا.
فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر احمر وجهه، وتمعر واشتد غضبه صلى الله عليه وسلم، فعلم أبو بكر أنه حبيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت متخذاً من البشر خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، وهو يعلم ما بداخل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نظر ذلك علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشتد على عمر فقال: يا رسول الله! إني كنت والله أظلم, وجثا على ركبتيه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع له، فلما دخل عمر اشتد النبي صلى الله عليه وسلم غضباً عليه وقال: (هلا تركتم لي صاحبي، قد جئتكم فقلتم: كذبت، وقال لي: صدقت، وواساني بماله وأهله) فلم يؤذ أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بعدها.
ومما يبين قدر أبي بكر ما روي أنه رضي الله عنه تخاصم مع رجل آخر من الصحابة واشتد عليه، ثم قال له: اقتص مني، قال: لا والله لا أقتص منك، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اقتص مني وإلا استعديت عليك رسول الله! فاستغرب الصحابة من صنيعه، إذ كيف يخطئ على رجل ويقول: أستعدي عليك رسول الله، فقالوا: والله لنذهبن معك إلى رسول الله، ونشهد عنده أنه المخطئ في حقك، فقال الرجل: اسكتوا حتى لا يسمع أبو بكر ما تقولون فيغضب، ثم يغضب رسول الله لغضب صاحبه، ثم يغضب الله لغضب نبيه، فيهلك صاحبكم، فكان الصحابة على معرفة بقدر أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سدوا كل خوخه إلا خوخة أبي بكر) رضي الله عنه وأرضاه.