السحر في اللغة: كل ما خفي سببه، وهو قسمان: سحر حقيقي، وسحر تخييلي.
القسم الأول: السحر الحقيقي: وهو نوعان: النوع الأول: سحر يستخدم فيه الساحر الاستعانة بالشياطين، كما قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102]، فهذا النوع فيه استخدام الشياطين والجن، حيث يستمتع به الإنس، ويلبي له رغباته في الإضرار بالآخرين، أو في جلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه، في شيء لا يستطيعه البشر وهو في قوة الجان، وهذا ليس بدون مقابل؛ لأن الجني لا يمتع الإنسي بهذه الطلبات إلا وهو أيضاً يتمتع منه، فيجعل هذا الآدمي يشرك بالله، ويعمل المنكرات، ويقدم القرابين للجن، وهكذا يستمتع كلاً منهما بالآخر، وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ} [الأنعام:128]، فقوله جل وعلا: {اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام:128]، فيه دلالة واضحة على أن الإنسي يستمتع بالجني وأيضا ً الجني يستمتع بالإنسي، حتى في أمر الجماع، فإن الجني يشارك الإنسي في ذلك، وليس هذا مقام التفصيل في هذا الموضوع.
النوع الثاني من أنواع السحر الحقيقي: استخدام الساحر للعقاقير والأدوية، يعني: يضعها في مشروب ويقدمه للذي يريد أن يسحره، فتقع في معدة الرجل، فيتأثر به بدنه وعقله وذهنه، وحياته كلها تنقلب رأساً على عقب، وترى ذلك بالتجربة، فإذا قرأ المعالج على الذي شرب السحر، فإن معدته تغلي كالمرجل، فيرى تحركات غريبة في معدته، وهذا من أثر السحر.
فالنوع الأول من القسم الأول هو من أكبر الكبائر؛ لأنه شرك أكبر، فالساحر يستعين بغير الله جل وعلا، ونحن شرطنا في الاستعانة بغير الله جل وعلا شروطاً: أن يكون المستعان به حياً حاضراً قادراً، وذلك حتى تكون هذه الاستعانة غير شركية، أما إن كان غائباً، مثل الشياطين والجن، فهذه الاستعانة كفرية شركية، ويتدرج به المرء من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر، فهذه من الكبائر، ويدخل هذا النوع في الخلاف المشهور بين العلماء: هل الكبائر لها مكفرات من الأعمال أم لا؟ وقلنا: إن هذه المسألة فيها قولان لأهل العلم: أحدهما: أن الأعمال تكفر الكبائر، بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (هل يبقى من درنه شيء؟) فإن كان بسبب ثواب يوم وليلة لا يبقى من درنه شيء، فكذلك الأعمال تكفر الكبائر.
أما النوع الثاني من القسم الأول فهو ظلم ليس بشرك.
القسم الثاني: السحر التخييلي: وهو ليس سحراً حقيقياً، وإنما هو خفة يد، أو خفة حركة، فهو يسحر الأعين، لا يقلب الحقائق، وهذا كما قص الله علينا في سحرة فرعون، فإنهم كانوا لا يقلبون الحقائق، يعني: أن الحبال لم تقلب حيات حقيقة، بل كانت محشوة بزئبق، وكانت تتحرك أمام الناس، ولذلك قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116]، فهذا النوع أيضاً من المنهي عنه؛ لأن فيه تزييف وتزوير وغش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من غشنا فليس منا)، فهو أيضاً من الكبائر.