للإيمان ثلاث مراتب عند الزيادة والنقصان: المرتبة الأولى: مطلق الإيمان، وهي أدنى مرتبة، وهي التي تمنع المرء من الخلود في النار، يعني: ينقص الإيمان شيئاً فشيئاً إلى حد يمنع المرء أن يخلد في نار جهنم.
وهذه المرتبة هي التي يكون فيها مطلق الإيمان أو أصل الإيمان موجوداً، وينجو صاحبها من النار، وهذه تستنبط من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله يأمر الملائكة بأن يخرجوا من النار ممن فيهم علامات الصلاة لم تحترق، فتخرجهم الملائكة، والمؤمنون يشفعون فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وفي هذا دلالة على أن معهم أصل الإيمان الذي هو أدنى مراتبه.
المرتبة الثانية: الإيمان الواجب أو الإيمان الكامل أو الإيمان المطلق، وهذه المرتبة هي التي ينجو صاحبها من النار، ويدخل الجنة بعد الحساب، والإيمان المطلق الواجب هو الذي أدى صاحبه الواجبات وترك المحرمات، وترك النوافل واقترف المكروهات، وهو لا يأثم؛ لأن المكروه لا يأثم فاعله ويثاب تاركه، وعكسه المستحبات.
وهذا يستدل له بحديث الأعرابي الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (آلله بعثك؟ ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله افترض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: أعلي غيرها يا رسول الله؟ قال: لا، قال: والله لا أزيد -ثم ذكر له النبي الزكاة ثم الصوم ثم الحج- فقال: أعلي غيرها؟ قال: لا، قال: والله لا أزيد عن ذلك ولا أنقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه إن صدق)، وفي رواية: (دخل الجنة إن صدق).
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الرجل إذا قام بالواجبات وترك المحرمات فإنه يدخل الجنة بعد المحاسبة.
المرتبة الثالثة: هي المرتبة التي يدخل أصحابها الجنة من أول وهلة، فلا حساب عليهم ولا عذاب، وهذه المرتبة مرتبة الإيمان المطلق: الواجب والمستحب، وهؤلاء هم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات، ثم أتبعوا الواجبات بالنوافل وأتبعوا ترك المحرمات بترك المكروهات.
وهؤلاء الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدخلون الجنة بغير عذاب ولا حساب، ووصفهم بقوله: (هم الذين لا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) وهم سبعون ألفاً.
وفي رواية أخرى قال: (مع كل واحد منهم سبعون ألفاً) أيضاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، هذه المرتبة الثالثة التي نختم بها مراتب الإيمان، وأصحابها يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، نسأل الله أن نكون جميعاً منهم.