جاءت المعتزلة أهل التجهم والجبرية فردوا على الله ما أثبته في كتابه، وردوا على أهل السنة والجماعة اعتقادهم بأن الله هو الذي خلق فيهم هذه الأفعال، وقالوا: العبد خلق فعل نفسه، والطائع هو الذي أطاع الله، ولولا أنه أطاع الله ما أطيع الله جل وعلا، والعبد الذي يتصدق إنما يتصدق بنفسه أما الله فلم يوفقه لذلك، ولذلك كانت الجنة لنا أجرة وثمناً على أعمالنا، وعندنا على ذلك أدلة من الكتاب والسنة فمن الكتاب قول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، فأثبت أن هناك خالقاً غير الله جل وعلا، وهم العباد الذين خلقوا أفعال أنفسهم، ثم قالوا -تعالى الله جل وعلا عما يقولون علواً كبيراً-: إن الله جل وعلا جعل الجنة أجرة وثمناً للعمل، كما قال الله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، فإذا صلى وصام كانت أجرته الجنة، وقال جل وعلا: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43].
والرد عليهم أن يقال لهم: إن أدلتكم هذه أوهى من بيت العنكبوت، وسوف نثبت لكم بالأدلة على أن الله جل وعلا خلق أفعال العباد، والله إذا قال صدق {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، فقد أثبت في كتابه أنه خلق أفعال العباد، وأثبت في سنة نبيه أنه خلق أفعال العباد، وأنتم قد نسيتم ما أثبته الله جل وعلا فاجترأتم على ربكم فوقعتم في المحظور الذي قاله الله تعالى عنه: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:169] أما الأدلة على أن الله خلق أفعال العباد فهي: قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16]، ومن هذا الشيء فعل العبد، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله خلق كل صانع وصنعته)، فقد أثبت الله الخلق لنفسه، وأثبته له رسوله، وأجمعت الصحابة على ذلك، وأنتم خالفتم ظاهر الكتاب والسنة، وأيضاً إجماع الصحابة.