وأما السنة فقد بلغت الأحاديث الدالة على رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، حد التواتر، وسوف نذكر طائفة يسيرة منها تبين المقصود.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال -وهذا فيه تشويق لرؤية الله جل وعلا، فقد كان صلى الله عليه وسلم دائماً يدعو: (اللهم! إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم)، فهذا النعيم ليس بعده نعيم-: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر هل تضارون برؤيته؟ قالوا: لا، قال صلى الله عليه وسلم: سترون ربكم كذلك) فالكاف هنا: تشبيه رؤية برؤية، لا تشبيه مرئي بمرئي؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، وفي رواية أخرى عن أبي موسى وصهيب وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عندما سئل: (هل نرى ربنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أترون القمر ليلة أربع عشرة؟ قالوا: نعم، قال: أترون الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: نعم، قال: سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر، لا تضامّون في رؤيته)، وفي رواية: (لا تَضَامَون) بدون التشديد، ومعنى (تضامّون) أي: ينضم بعضكم إلى بعض، أي: لا يتزاحمون عند النظر، كما لا يتزاحمون عندما يرون القمر، فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنكم سترون الله دون مزاحمة ودون أي تضام فيما بينكم.
ومعنى: (لا تضامون) بالتخفيف: من الضيم والظلم، أي: لا يحدث لكم أي ضرر، فيكون تفسير الحديث: أنكم ستنظرون إلى الله جل وعلا وترونه كما ترون القمر لا يلحقكم ضرر في ذلك.
وفي حديث أبي موسى في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء يكشفه الله جل وعلا، فينظرون إلى الله جل وعلا)، وفي حديث صهيب: (أن الله جل وعلا يخاطب أهل الجنة بعد أن يدخلوا الجنة: هل تريدون شيئاً أزيدكم؟ فقالوا: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ فيكشف الله جل وعلا الحجاب فينظرون إلى ربهم من فوقهم، فما تنعموا بشيء كالنظر إلى وجه الله الكريم)، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا النظر إلى وجهه الكريم.