يستوجب على العبد أن يتعبد لله جل وعلا بأن يقوم في ثلث الليل الآخر، ولو قلنا: إن اليوم من طلوع الفجر فتكون أربع ساعات ما بين الثلث الآخر إلى طلوع الفجر، فتحسبها بهذا، ويكون ذلك هو ثلث الليل الآخر، فيقوم فيه العبد ذليلاً خاضعاً متذللاً متمسكاً أمام ربه، يرفع يديه ويعلم في قلبه أن الله حيي كريم ستير جواد كريم، يستحي أن يرد العبد خائباً، وهو ستير يستر عليه عيوبه، وكريم جواد يستجيب له ويغفر، ويرفعه إذا تذلل له وخضع بحق لله سبحانه جل وعلا.
وقرب العبد من الرب جل وعلا أكثر ما يكون في السجود، وفي ثلث الليل الآخر يخلو القلب من أي شواغل، فينتهي المرء من يومه وعمله ثم ينام، ويستيقظ خالي الذهن، والناس نيام وهو قائم، هذه الأوقات أوقات جلها إخلاص، أوقات كلها ذل ومسكنة لله جل وعلا، فدمعة واحدة تنزل من عين هذا العبد القائم الخائف الذي يقوم لله جل وعلا يستمطر بها رحماته جل في علاه في هذه الأوقات، وهذا الوقت من أوقات الإجابة، كما بينه ابن القيم.
فيستلزم أن العبد إذا علم أن الله ينزل ثلث الليل الآخر أن يجتهد في هذا الوقت، ويستغفر الله جل وعلا، ويطلب منه من فضله ويطمع في الطلب، ويستحيي أن يطلع الله جل وعلا عليه فيجده نائماً والآخرون قائمون.
اللهم اجعلنا ممن يقوم في الأسحار يا رب العالمين.