العلو المقيد هو: الاستواء على العرش، والذين نفوا هذا العلو: هم الأشاعرة، الذين يطلق عليهم متكلمي أهل السنة والجماعة، وهم محرفو الكلم عن موضعه فقد قالوا في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أي: استولى، قالوا: وعندنا مسوغ، والأصل في اللفظ أن يكون على ظاهره، حتى تأتي قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، وإذا لم يوجد مسوغ أو قرينة فالتأويل باطل مردود.
قالوا: عندنا المسوغ، وعندنا القرينة من لغة العرب، والشعر يدل على ذلك، قال الأخطل: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق فأول ما دخل دب الرعب في أهل العراق، فتركوا له المدينة دون إراقة دماء، فهذا هو المسوغ لهم، وقالوا: وأنتم أيها المجسمة! لو قلنا بقولكم أن استوى على العرش معناه: علا واستقر للزمنا لوازم، واللوازم التي ذكروها لوازم باطلة هي: اللازم الأول الباطل: أن هناك مماسة بين الله وبين العرش، والعرش محدود حتى ولو وسع السماوات والأرض فهو محدود، ولو قلتم بالمماسة فقد جعلتم لله حداً، وهذا تجسيم، فنفر من هذا، وهم يتهمونا باطلاً.
واللازم الثاني الباطل قولهم: أيها المجسمة! -يقصدون أهل السنة والجماعة-: إننا لو قلنا: إن الله استوى على العرش بمعنى علا واستقر فالله يحتاج إلى هذا العرش، بمعنى: -ليقرب إلى الأذهان- أنا الآن جالس على هذا السرير فأنا أحتاج إليه، ولو سحب من تحتي لوقعت، فأنا أحتاج إليه لأنه يسندني، ولو قلتم بهذا القول: علا واستقر على العرش فيلزم من قولكم هذا أن الله جل وعلا الغني محتاج إلى العرش!