الأدلة على أن الله متكلم: أن الله عز وجل قد تكلم مع مخلوقات عدة، منها: الملائكة، والأنبياء ومنهم: موسى، وآدم، وسمعت حواء صوت الله عز وجل: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا} [الأعراف:22]، وكلم الله القلم، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب.
قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) فتكلم الله مع القلم وسمع القلم صوت الله عز وجل، يا له من قلم! ويا له من شرف عظيم، نسأل الله أن يسمعنا صوته في الآخرة، وأن يتحدث معنا برضاه، آمين اللهم آمين.
وتكلم الله مع الجمادات، منها: السماء والأرض، فقال لهما: (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11].
وتكلم مع الجنة والنار، وتكلم مع الجبال، والجبل يسمع ويحب ويريد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أحد يحبنا ونحبه).
وتكلم الله مع إبليس فقال: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وقوله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف:13]، وآيات كثيرة فيها تكلم الله مع إبليس اللعين.
فكل هذه أدلة من الكتاب تدل على أن الله متكلم.
وأما الأدلة من السنة على أن الله متكلم فحديث القلم السابق، وأصرح وأوضح منه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (إذا أحب الله عبداً نادى في السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبوه).
وحديث المعراج الذي خص الله فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالكلام، كما اصطفى موسى بالكلام؛ ولذلك قال بعض العلماء: جماع كل صفات الخير للأنبياء جمعها الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما إثبات صفة الكلام لله عز وجل بالعقل فجائز، مع أن بعض العلماء يقول: أنت لم تر الله، ولم يحدثك الثقة عن الله جل وعلا، ولم تر مثل الله جل وعلا، فكيف تقول: بالعقل نثبت صفة الكلام لله عز وجل؟ وشيخ الإسلام ابن تيمية ينكر أمر القياس بين الخالق والمخلوق، فلا يصح أن نقيس بقياس بين الخالق والمخلوق بأي من الأحوال؛ لأن القياس لا بد فيه من وجود علة مشتركة بين الأصل والفرع حتى نقيس الفرع على الأصل، فأيهما تجعله أصلاً وأيهما تجعله فرعاً؟! فأقول: هناك قاعدة عظيمة تقول: كل صفة كمال فالله يتصف بها.
وبالعقل أي صفة نقص فإن الله تعالى لا يتصف بها؛ لأن الله له الكمال المطلق.
وأما قولهم: كيف تقيسون الخالق بالمخلوق؟ ف
صلى الله عليه وسلم القياس أنواع: قياس شبه، وقياس علة، وقياس أولى، والذي يستعمل في حق الله هو: قياس الأولى، لا قياس علة ولا قياس شبه.
فإذا كان الإنسان يتكلم، والكلام صفة كمال له، والأخرس عندنا ناقص، بل المتكلم الذي لا يستطيع أن يعبر عما بداخله ويفسر ما يريد ناقص، ولذلك فرعون أنكر على موسى عليه السلام عدم إفصاحه في الكلام، فقال الله على لسانه: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52].
فبين أن هذه صفة نقص، والله جل وعلا قد شفاه من ذلك، والله له حكمة في ذلك، وقد طلب الله أن يكون هارون عوناً له؛ لأنه أفصح منه لساناً، فالكلام صفة كمال.
فإن كان هذا كمالاً فمن باب أولى نقول: إن الله متكلم، وإن كان عدم الكلام أو عدم استطاعة الكلام نقص فمن باب أولى ننزه الله عنه، أما ترى أن الله قد أنكر على قوم عبدوا أصناماً لا تتكلم ولا تنفع ولا تضر، فقال عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف:148]، وقوله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [طه:89] إذاً: صفة الكلام هي صفة ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة والعقل.