نختم هنا بقول الإمام: والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله، ويعبد غيره.
النفاق نفاقان: نفاق أكبر ونفاق أصغر، والنفاق معناه في اللغة: الطريق في الأرض، والنفاق الأكبر هو النفاق الاعتقادي؛ أن يظهر الإسلام ويضمر الكفر، والعياذ بالله، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9].
أما النفاق الأصغر فهو النفاق العملي؛ وجاءت صفاته في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر) وفي الرواية الأخرى: (وإذا خاصم فجر).
وهنا مسألة في النفاق العملي: هل النفاق العملي يخرج من الملة أم لا يخرج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً)؟ فأقول إجابة على هذا الإشكال: المسألة فيها تفصيل فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كان منافقاً خالصاً) أشكل على العلماء؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] فالتصريح هنا أنهم كفار، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصرح، لكن قال: كان منافقاً خالصاً فهل يلحق بالكفار أم يكون من أهل الكبائر؟ للعلماء تأويلات كثيرة جداً: الأول: كان منافقاً خالصاً، يعني: كافراً، لكن باستحلال هذه الأمور، أي: باستحلال الكذب، والغدر وغيرها من هذه الصفات، فنقول لهم: هو يكفر إن كانت فيه هذه الصفات، أو لم تكن فيه هذه الصفات؛ لأن الاستحلال كفر، كما أن من جحد وجوب الصلاة فهو كافر وإن صلى.
التأويل الثاني: كان منافقاً خالصاً، يعني: شبيهاً بالمنافقين وليس بمنافق، يعني: شابه صفاتهم كما قالوا: إن هذا يفعل فعلة الكفار، فصفته كصفة الكفار.
التأويل الثالث: قالوا: إنه بريد الكفر، وهذا هو أعدل الأقوال، فالإنسان لو تشبع وتضلع بهذه الصفات واستمر عليها فهي بوابة إلى النفاق الأكبر؛ فهو حين يكذب يكون قد نزعت منه صفة الإيمان، لكن يبقى في دائرة الإسلام، فإذا اعتاد الكذب يخرج من دائرة الإسلام، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم.
فقيل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم.
فقيل: أيكون كذاباً؟ قال: لا) فالكذب والغدر والخيانة ليست من صفات المؤمنين، فمن اعتاد عليها، وثبت عليها، فهذا منذر بخروجه من الملة والعياذ بالله.