عقيدة أهل السنة في السمع والطاعة لولي الأمر براً كان أو فاجراً

قال: وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في ذلك.

ذكر أصحاب الشورى ثم أهل بدر، وكل ذلك شرحناه من قبل.

ثم قال: ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم.

فإن المسلمين يلي أمرهم حاكمان: الحاكم الأول: من قد يلي أمر المسلمين بالمشورة أو بالاختيار.

وهذا هو الذي قيل فيه: (خيار أئمتكم الذي تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم) ويحكمون بشرع الله والقسط.

والحاكم الثاني: من غلب على أمر المسلمين بالسيف، وكل واحد منهما له السمع والطاعة بالقيد الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) فالحاكم له السمع الطاعة، ولو كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو تأمر عليكم عبد حبشي أسود) أخرجه أحمد بن حنبل.

ثم بين أنه لا يحل الخروج على إمام المسلمين براً كان أو فاجراً.

ومسألة الخروج على الحاكم مسألة عظيمة ضل فيها كثير وزلت أقدام.

والكلام فيها إجمالاً يتركز في نقاط: أولاً: هل يصح الخروج على الحاكم؟ الحاكم إما أن يكون حاكماً عادلاً مؤمناً تقياً ورعاً يحكم بين الناس بما أراه الله جل وعلا -أي: بشرع الله جل وعلا- فهو يقسط بينهم ويعدل بينهم، فهذا من خرج عليه يقتل؛ لأنه قد شق عصا الطاعة، فمن خرج على إمام عادل حكمه أنه يقتل لأنه شق عصا الطاعة.

وإما أن يكون الحاكم ظالماً فاسقاً فهذا الحاكم أيضاً له السمع والطاعة، ومن خرج عليه فقد أتى ببدعة؛ لأن هذا ليس من اعتقاد أهل السنة والجماعة بل وزره أشد ما يكون؛ لأنه سيعيث في الأرض فساداً، لأن التأليب على الحاكم وعلى ولاة الأمور يجعل الفساد يستشري بين الناس، فالحاكم الظالم الفاسق لا يخرج عليه، لكن هذا الحاكم له أحوال ثلاثة: الحال الأول: أن يكون هذا الحاكم الظالم الفاسق ليس له شوكة وليس له منعة، وعندنا أهل الحل والعقد عندهم شوكة ومنعه فهؤلاء وجب عليهم أن يعزلوه وينصبوا مكانه الإمام العادل.

الحال الثاني: أن يكون هذا الظالم الفاسق الإمام له شوكة ومنعة، لكن أهل الحل والعقد والمسلمون لهم شوكة ومنعة أقوى، ففئتهم أقوى من فئته.

الحالة الثالثة: أن يكون الإمام الظالم معه شوكة ومنعة أقوى من شوكة المسلمين.

فالصحيح أن الحاكم الظالم الفاسق أهل الحل والعقد هم الذين لهم حق التصرف معه فإن كان بإمكانهم عزله، والإتيان بالعادل مكانه فعلوا، وإلا لا يخرج عليه بحال من الأحوال، حتى وإن كان مع آحاد المسلمين شوكة ومنعة أكثر منه فلا يصح الخروج عليه، وهذا منهج أهل السنة والجماعة.

أما الحاكم الثالث فهو الكافر، والكافر لا يولى على المسلمين، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141].

لكن لو كان الحاكم مسلماً ثم فسق وظلم، بل وكفر وخرج من الملة فهذا له أحوال: الحال الأول: أن يكون ليس له شوكة ومنعة، فهذا أهل الحل والعقد يعزلونه ثم يستتيبونه فإن تاب وإلا قتل ردة.

الحال الثاني: أن يكون له شوكة ومنعة، لكن المؤمنين والمسلمين عندهم شوكة ومنعة أقوى منه، فهذا وجب عليهم أن يخرجوا عليه ويقاتلوه حتى ينحوه ثم يستتيبونه فإن تاب وإلا قتل ردة.

الحال الثالث: أن يكون له شوكة ومنعة وفي المسلمين ضعف فهذا لا يجوز الخروج عليه مع أنه كافر، والكافر لا يعلو على المسلم، لكن تغليباً لدفع المفسدة عن جلب المصلحة، وهذا الكلام دقيق جداً، فهذا الحاكم ارتد وردته ظاهرة عندنا من الله فيها برهان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنابذوهم إلا أن تروا كفراً بواحاً) فأنت رأيت الكفر البواح ورأيت الردة، كقول القائل من بعض الحكام: إن قطع يد السارق تخلف ورجعية.

فهذا كفر وارتد أمامك، لكن مع ذلك لا تخرج عليه تغليباً لدرء المفسدة العظمى، وهي استئصال شأفة المسلمين.

وجاء عن الشافعي أنه قال: لو كان في المسلمين ضعف لهم أن يدفعوا الجزية للنصارى وللكفار دفعاً للمفسدة العظمى التي تأتي على المسلمين باستئصال شأفتهم، فالصحيح الراجح: أنه إن لم يكن في المسلمين قوة، وارتد الحاكم بكفر بواح لنا فيه من الله برهان فلا يجوز الخروج عليه تغليباً لدرء المفسدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015