اختلف أهل العلم في الإيمان والإسلام، فبعض أهل العلم قالوا: الإيمان هو الإسلام، ولا فرق بينهما، واحتجوا بأدلة، منها قول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69].
قالوا: فهذان وصفان لموصوف واحد وهو المخاطب، فوصفهم بالإيمان والإسلام، وهذا يدل على أنه لا فرق بينهما.
وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35 - 36].
وهذا يدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
والأصل ألا نضرب آيات الله عز وجل بعضها ببعض، ولا نضرب كلامه بعضه ببعض، فهذه الآية بينت أن الإيمان والإسلام قد اجتمعا في موصوف واحد، ولكن الآيات والأدلة الأخرى بينت الفرق بين الإيمان والإسلام بنفي الإيمان، ولذلك أهل العلم يقولون: الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
يعني: إذا ذكر الإيمان والإسلام في دليل واحد، فهذا يدل على أن الإسلام له مدلول، والإيمان له مدلول آخر، وإذا افترق الإيمان والإسلام دلا على أن كل منهما بمعنى الآخر، ومثاله: قول النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل ما الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت).
فعلمنا أن دعائم وأركان الإسلام هي هذه.
(فقال: صدقت.
ثم سأله عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره).
فعلمنا أن هذا هو مدلول الإيمان.
إذاً: الإيمان إذا اجتمع مع الإسلام كان لكل منهما مدلول يخصه، مثل الفقير والمسكين، وإذا افترقا فهما بمعنى واحد.
يعني: إذا ذكر الفقير شمل المسكين، وإذا ذكر المسكين فقط شمل الفقير، فكذلك الإيمان والإسلام إذا اجتمعا في دليل واحد كان لكل واحد منهما مدلول يخصه، وإذا ذكر واحد منهما في دليل شمل الآخر معه، كما في حديث وفد عبد القيس قال: (وآمركم بالإيمان.
أتدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان).
وهذا نفس تعريف الإسلام في حديث جبريل، ولكنه لم يذكر الإسلام هنا، فدل على أن الإيمان يشمله، كما ذكر الإسلام في قول الله عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، فشمل معه الإيمان.
فهذا معنى قول أهل العلم: إذا اجتمعا -أي: في دليل- افترقا.
يعني: كان لكل واحد منهم تعريف خاص.
وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الإيمان أو الإسلام في دليل خاص شمل معه الآخر.
قال: [عن أبي برزة الأسلمي قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته).
فقال في هذا الحديث: (يا معشر من آمن بلسانه)، واللسان جارحة، ولابد من النطق في إثبات الإسلام، ولا يثبت الإسلام لعبد قادر على الكلام إلا بالنطق بالشهادتين، والنطق بالشهادتين محله اللسان، والنطق بالشهادة شرط في صحة إسلام العبد، أي: الخارج عن الكفر.
فقوله: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه)، أي: لم يدخل كمال الإيمان وليس أصل الإيمان، لأنه لو آمن بلسانه فإنه يلزم من هذا الإيمان الظاهري وجود أصل الإيمان في القلب من المحبة والرضا والقبول والاستعانة والاستغاثة وغير ذلك، وأما عمل الجوارح فهو مكمل ومتمم للإيمان.
عن أبي سلمة الخزاعي: [إن حماد بن زيد كان يفرق بين الإيمان والإسلام، ويجعل الإسلام عاماً والإيمان خاصاً].
أي: يضع الإسلام عاماً مع أصل الإيمان.
أي: معه مطلق الإيمان، وأما الإيمان المطلق فهو فوق الإسلام بكثير.
وقال حنبل - وهو ابن أخ الإمام أحمد بن حنبل قال: [سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - وسئل عن الإيمان والإسلام قال: قال ابن أبي ذئب: الإسلام: القول.
والإيمان: العمل].
وهذا نفس كلام الإمام الزهري الذي تقدم.
وقوله: الإسلام القول.
يعني: يثبت الإسلام بالنطق بالشهادتين، وهو عمل اللسان.
والإيمان: العمل.
إما عمل قلب أو عمل جوارح، فإذا فرط العبد في عمل الجوارح نقص إيمانه على قدر ما فرط من العمل، وإذا انخلع أصل الإيمان من قلب العبد انخلع إسلامه؛ لأن الإيمان نوعان: إيمان القلب، وهو عمل القلب، وإيمان الجوارح، فإيمان القلب هو مطلق الإيمان، وإيمان الجوارح هو الإيمان المطلق.
فلابد أن نفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان، فمطلق الإيمان هو أصل الإيمان المستقر في القلب، فإذا زال هذا الإيمان زال إسلام العبد؛ لأن هذا يشمل التصد