قال: [عن عامر بن سعد - وهو ابن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه- يروي عن أبيه قال: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى رجالاً ولم يعط رجالاً)].
يعني: في توزيع الغنائم أعطى النبي عليه الصلاة والسلام أناساً ولم يعط آخرين، [(فقال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله! ما بالك أعطيت أناساً ولم تعط آخرين، وإني لأراهم مؤمنين -يعني: رأيتك أعطيت فلاناً ولم تعط فلان وهو مؤمن- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أوهو مسلم.
فقال: يا رسول الله! هذا مؤمن)].
وهذا لما يعلمه سعد بن أبي وقاص من حال ذلك الرجل، وأنه يأتي بجميع الطاعات صغيرها وكبيرها ويحافظ عليها، فهو قدوة ومثل يقتدى به، ومعلوم من صلاحه وتقواه الشيء الكثير، ولذلك أصر سعد بن أبي وقاص على أن هذا الرجل مؤمن، ولكن لما كان الإيمان أصله القلب ثم يظهر ذلك على الجوارح، وربما ظهر على الجوارح ما لا يدل بالضرورة على أصله في القلب كان الحكم بالإيمان لله عز وجل أو للرسول عليه الصلاة والسلام إذا أطلعه ربه على إيمان عبد بعينه، ولكن سعد بن أبي وقاص لما أعطى النبي عليه الصلاة والسلام أناساً من الغنائم ولم يعط آخرين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك أعطيت فلاناً ولم تعط فلاناً، وإني لأراه مؤمناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أو هو مسلم -يعني: يا سعد أو هو مسلم- قال: يا رسول الله! بل مسلم) ثلاث مرات ينازعه سعد في إثبات إيمان من منعه وحرمه النبي عليه الصلاة والسلام من قسم الغنائم، ثم بين له النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الفرق قائم بين المؤمن والمسلم، وهذا يدل على أن الإسلام شيء والإيمان شيء آخر أخص منه، فبين النبي عليه الصلاة والسلام عذراً لإعطائه أناساً وحرمانه آخرين رغم بيان الأفضلية ولو في الظاهر، فقال: [(إني لأعطي أناساً وغيرهم أحب إلي منهم؛ مخافة أن يكبهم الله تعالى على وجوههم أو قال: على مناخرهم).
وفي رواية: (على مناخرهم في النار).
فقوله: (إني لأعطي أناساً وغيرهم أحب إلي) أي: في إيمانهم وإسلامهم أحب، وهم يقدرون القضية أيما تقدير، ولذلك شرع أن يصرف من مال الزكاة على المؤلفة قلوبهم، وهم: حديثو العهد بالإسلام والإيمان؛ لتثبيتهم على الإيمان.
وقد سن النبي عليه الصلاة والسلام سنناً عظيمة جداً وسار عليها الصحابة رضي الله عنهم وخاصة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في إعطاء كل صاحب منزلة منزلته وزيادة؛ تثبيتاً له على الإيمان والإسلام، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن).
ودار أبي سفيان ليست حرماً حتى ينعقد الأمن فيها؛ ولكنها منقبة لـ أبي سفيان، لأنه قد ورد في رواية: (إن أبا سفيان رجل يحب الفخر).
فهذا منقبة لـ أبي سفيان يفاخر بها أصحابه بأن من دخل داره كان آمناً، وهذا بحكم النبي عليه الصلاة والسلام وشهادته وإقراره، ولم يجعل النبي عليه الصلاة والسلام بيت أحد من أصحابه حتى ولا بيت الخلفاء الراشدين مع بيت أبي سفيان حتى يكون لـ أبي سفيان هذا المنقبة منفرد بها؛ لأنه رجل يحب الفخر.
وسلمة بن الأكوع رضي الله عنه كان في الجاهلية رجلاً عظيماً شريفاً في قومه، فإذا أسلم فلابد أن ينزل منزلة عظيمة في الإسلام، وهذا يشهد له قوله عليه الصلاة والسلام: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا).
ولما أسلم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وكان من أشراف قومه أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن ينزل في عوالي المدينة.
يعني: يسكن في القصور التي هي على مشارف المدينة؛ لأنها تتناسب مع مقامه.
وهذا يلزم منه أن يركب البعير فوق الأرض الساخنة والرمال الملتهبة، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام معاوية بن أبي سفيان أن يأخذ بخطام بعير سلمة، فأخذ معاوية بخطام بعير سلمة بن الأكوع، وسلمة يعرف أي فتى معاوية، فقد كانوا يعرفون بعضهم بعضاً، فلما اشتدت الحرارة في أقدام معاوية قال: يا سلمة! احملني خلفك.
قال سلمة: إنما يكفيك أن تستظل بظل البعير، وسلمة لا يخفى عليه الحال في مثل هذا ولكنه أبى.
فقال: يا سلمة! هل لك أن تسلفني نعلك؟ فقال: لا.
فاستمر معاوية في سوقه البعير حتى وصل إلى عوالي المدنية؛ لأنه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وليس أمر سلمة، وهذه المنزلة هي منزلة سلمة، وسلم