قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جماع الكلام في الإيمان.
سياق ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في أن دعائم الإيمان وقواعده: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان].
وسنستغني عن ذكر الأدلة الضعيفة وسردها، وسنذكر الأدلة الصحيحة، ولن نذكر الإسناد وإنما سنذكر المتن مع الصحابي الذي رواه، أو مع الراوي الذي قاله.
قال ابن عباس: [إن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بالإيمان بالله قال: (أتدرون ما الإيمان؟)].
ووفد عبد القيس كانوا لا يأتون النبي عليه الصلاة والسلام إلا في الأشهر الحرم؛ لأن بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام كفار مضر، فقالوا: (يا رسول الله! إن بيننا وبينك هذا الحي من مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرم، فمرنا بأمر نعمل به ونأمر به من وراءنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم).
وهذا من شدة أدبهم رضي الله عنهم، وإلا فالإيمان بالله معلوم لدى العامة فضلاً عن الخاصة، ووفد عبد القيس أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليسألوه عن أصول دينهم، وعما يجب عليهم وما حرم، وعما أحل لهم، فهم لم يكونوا يعملون ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم).
ومن أدب الطالب: أن ينسب الجهل إلى نفسه، وأن ينسب العلم إلى شيخه، وإن كان جاهلاً، وهذا من باب حسن الأدب ومكارم الأخلاق، حتى يستفيد مما عند شيخه، ولو أن طالباً أظهر ما عنده من علم ثم عرج على جهل شيخه فإنه لن يحظى منه بشيء، فالأدب الصادق أن يظهر جهله وإن كان عالماً، وأن يظهر علم الشيخ وإن كان جاهلاً.
[[(قالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)].
والصواب أن هذا الحديث ليس فيه الحج؛ لأن الحج لم يكن قد فرض بعد، فهو إنما فرض مؤخراً، والسؤال كان قبل فرض الحج، فيكون الأمر: (آمركم بالإيمان بالله، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).
وليس فيه الحج.
ثم قال: [(وأن تؤدوا الخمس من المغنم)].
أي: من المغانم، فقد كانوا أهل جهاد مع كفار مضر، وأهل الجهاد إما أن يخسروا وإما أن يغنموا، فلما غلب النصر على هؤلاء لزم من ذلك حصولهم على الغنائم الكثيرة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: (وأن تؤدوا الخمس من المغنم).
وليس معنى ذلك أن أداء الخمس معطوف على ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام من أصول الإيمان، بل هو من الإيمان، وقد أفرده البخاري في كتاب الإيمان له فقال: باب قوله: باب أداء الخمس من الإيمان.
وقد ذكره في نهاية كتاب الإيمان من صحيحه، وعد أداء الخمس شعبة من شعب الإيمان.
فهنا قال: (آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قالوا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).
وقد كان قال لهم: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع).
وقوله: (وأن تؤدوا الخمس من المغنم) تعد خامسة، فهي معطوفة على قوله: (آمركم بأربع).
يعني: ليست داخلة في الأربع، وإنما هي خامسة، فقد كانوا في حاجة إليها لأنهم أهل جهاد، فزادهم ما يخص عملهم وكفاحهم وجهادهم مع كفار مضر، فهم لما كانوا أهل جهاد وغنيمة لزمهم في ذلك أن يؤدوا الخمس، فزادهم هذه من عنده، وليس هذا من الأربع التي أمرهم بها عليه الصلاة والسلام، بل هذا أمر مستقل يبعد عما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أولاً أن يأمر به.
قال: (وأنهاكم عن الحنتم والنقير والدباء والمزفت).
وهذه أوان كان يستعملها العرب في الجاهلية في تخمير الخمر، والشيء إذا وضع في هذه الأواني كان سريع التخمر والحموضة، فنهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن استعمال هذه الأواني.
وهذا الحديث أخرجه البخاري.
قال: [عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)].
وهذا الحديث كذلك عند الشيخين في الصحيحين.
والشاهد في هذا الحديث قوله: (بني).
وهذا يدل على أن دعائم الإيمان والإسلام تقوم على هذه الأسس؛ لأنها مبانٍ، وليست مكملات ولا فرعيات ولا شكليات، وإنما هي مبانٍ كالقواعد والسواري والأعمدة للبناء العظيم الذي هو الإسلام، وهذا يعني أن من لم يأت بقائمة من هذه القوائم اختل إسلامه، فالخلل لا يقع في الإيمان فحسب