إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: فهذا كتاب (مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة) لإمام كبير من أئمة السنة، وهو أبو القاسم الطبري اللالكائي رحمه الله، وهو كتاب عظيم جداً في بابه، فقد جمع شتات مسائل الاعتقاد التي خالفت فيها الفرق الضالة أهل السنة والجماعة.
وهذا الكتاب سلك فيه مؤلفه مسلكاً عظيماً وإن كان فيه شيء من الخلل، فقد ذكر المسائل التي خرج بها من خرج عن حد الاستقامة من أصحاب الفرق الضالة، والتي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة، وإذا كانت المسألة محل نزاع عند أهل السنة فإنه لا يذكر هذا النزاع ولا يعتني به، وإنما يذكر ما ترجح لديه وأدلته، فمثلاً في مسألة رؤية الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام لم يسق فيها الخلاف الذي حدث، وإنما ذكر ما ترجح لديه -وهو الراجح حقاً- أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بفؤاده، فساق الأدلة لإثبات هذا المعتقد، وهو الصحيح.
فهو لا يعنى بالخلاف حتى وإن كان هذا الخلاف بين جماعة أهل السنة والجماعة.
والكتاب قد شرحناه منذ عام يقل قليلاً أو يزيد قليلاً، ولن نرجع نسرد أدلة الكتاب ونقرأ الأبواب من أول الكتاب، وإنما سنبني على ما مضى، وكنا قد وقفنا عند موضوع حيوي جداً، وهو الكلام في الإيمان وأصوله، والتعليق على عقائد الفرق الضالة.
وهذا الموضوع بدأ في نهاية الجزء الرابع وينتهي في نهاية الجزء التاسع، والكتاب طبع في خمسة مجلدات، الأربعة الأولى كل واحد منها جزءان، وكان الجزء الثاني مفقوداً من المخطوط، ولكن المحقق عثر عليه أخيراً فطبعه في مجلد مستقل.
وقد عقدنا العزم على دراسة كتب السنة المفردة -أي: كتب الاعتقاد المسندة- ككتاب الإيمان لـ ابن مندة، وكتاب السنة للخلال، وكتاب السنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وكتاب الشريعة للإمام الآجري، وغيرها من الكتب لمؤلفيها.