قال: [سياق ما وري أن مسألة القدر متى حدثت في الإسلام وفشت.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر)]، قوله: (لا يؤمن عبد).
هل هذا النفي على إطلاقه؟ أي: لا إيمان للعبد ألبتة؟ هل هذا نفي لمطلق الإيمان أم الإيمان المطلق؟ يعني: نفي لأصل الإيمان أم نفي لكمال الإيمان؟ [قال أبو حازم: لعن الله ديناً أنا أكبر منه.
يعني التكذيب بالقدر]، أي: لعن الله دين القدرية الذي أنا لا أعتقده، وأنهم يكذبون بالقدر.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: [أتيت ابن عباس وهو ينزع في زمزم -يأخذ ماءً بدلو من زمزم- قد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت: قد تكلم في القدر.
قال: أوقد فعلوها؟ فقلت: نعم.
فقال: والله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49] أولئك شرار هذه الأمة].
وكل من ألفاظ العموم أو من الخصوص؟ لو قلت: من ألفاظ الخصوص، فأنت متفق مع القدرية بأن الله تعالى خلق الخير ولم يخلق الشر، لكن إذا قلت: إن كل من ألفاظ العموم فيشمل الخير والشر وهو من عند الله عز وجل، والله عز وجل هو الذي خلقهم.
وعن أيوب بن أبي تميمة السختياني قال: [أدركت الناس هاهنا وكلامهم: وإن قضى وإن قدر].
يعني: وإن قضى الله قضاءً أمضاه، وإن قدر الله قدراً أمضاه.
وعن عثمان بن عبد الله قال: [أول من تكلم في شأن القدر: أبو الأسود الدؤلي.
وأنتم تعلمون أن أبا الأسود الديلي] تاب ونزع من هذه البدعة، وقد مر بنا التنبيه على أن أبو الأسود الدؤلي رحمه الله إمام من أئمة البصرة، بل هو الذي نقط القرآن وشكله وضبطه بأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو من سادات التابعين ومن أئمة اللغة، وهو الذي وضع علم العروض وعلم العربية وغير ذلك من مناقبه العظيمة، ويكفي أنه تلميذ علي بن أبي طالب.
[عن الحسن بن محمد قال: أول من تكلم في القدر حين احترقت الكعبة] سنة أربع وستين هجرية.
كانت هذه أول مرة تحترق فيها الكعبة، وقد احترقت بعد ذلك مرات، وسرق الحجر الأسود منها مرات، لكن أول مرة حرقت الكعبة كانت سنة أربع وستين في دولة بني أمية على يد الحجاج في زمن الزبير، فقال قائل أهل السنة: إن احتراق الكعبة من قدر الله، فقال آخر: ما كان هذا من قضاء الله.
إحراق الكعبة شر من عند الناس، والناس هم الذين يفعلون الخير والشر، ويجري على أيديهم الكسب، والكسب هو العمل، والعفة مخلوقة في العبد، والشر مخلوق في العبد، والزنا مخلوق في العبد.
هل هناك خالق غير الله عز وجل؟ فالله عز وجل خلق الشر وقدره ولم يرض عنه وحذر منه، وعاقب عليه بخلق النار، وأمر بالطاعة وأحبها ورضيها ويسر لها أهلها، ثم كافأهم بأن جعل لهم في الآخرة الجنة.
عن حازم قال: [سمعت حوشب يقول لـ عمرو بن عبيد في حبوة الحبس: ما هذا الذي أحدثت؟ قد نبت قلوب إخوانك عنك.
قال: انطلق إلى الحسن حتى نسأله عن هذا الأمر.
قال: كسرها الله لو ذهبت إليه -يعني: رجليه- وكان قتادة يتكلم في حقه ويسبه وربما يلعنه، قال: فجثوت -أي: عاصم الأحول - على ركبتي، وقلت: يا أبا الخطاب! وإن الفقهاء ينال بعضهم من بعض -يعني: لا يصح أن تقع فيه ولا هو يقع فيك- قال: يا أحول! رجل مبتدع ابتدع بدعة تذكر بدعته خير من أن يكف عنها.
قال: فوجدت على قتادة -أي: فغضبت منه- فوضعت رأسي، فإذا بـ عمرو يحك آية من القرآن.
قلت: لم تصنع؟ قال: إني أعيدها.
قال: فحكها.
قلت: أعدها.
قال: لا أستطيع].
[عن ابن عون قال: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان حتى نشأ هاهنا حقير يقال له: سنسويه البقال].
وهو اسم فارسي معرب بـ سوسن، وهو رجل نصراني أسلم ثم ارتد، ثم أسلم ثم ارتد، فتكلم في القدر، فأخذ عنه معبد الجهني قال: [فكان أول من تكلم في القدر.
قال حماد: ما ظنكم برجل يقول عنه ابن عون: هو حقير؟!] يعني: تكفي عليه هذه الشهادة.
وقال الأوزاعي: [أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له: سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد].
وهلم جرا إلى يومنا هذا.
فبدعة القدر أصلها نصراني من العراق، ومعظم الفتن أصلها العراق، والنبي عليه الصلاة والسل