قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما ذكر من مخازي مشايخ القدرية وفضائح المعتزلة].
عن معاذ بن معاذ قال: [كنت عند عمرو بن عبيد -وعمرو بن عبيد رأس في القدر- فجاءه رجل، فقال: ألا تعجب من فلان يزعم أن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1] في اللوح المحفوظ؟ فقال عمرو بن عبيد: لئن كانت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وتب في اللوح المحفوظ فما على أبي لهب من لوم، وما على الوليد من لوم، يعني في قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:11]].
يعني: جاءه رجل في حضرة معاذ بن معاذ يقول له: يا عمرو بن عبيد! يزعم رجل أن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] في اللوح المحفوظ.
فقال له: إذا كانت في اللوح المحفوظ فلم يعاقبه الله وقد حكم عليه بأنه من الهالكين أولاً قبل أن يخلقه؟ ولم يعاقب الوليد والد خالد بن الوليد رضي الله عنه؟ وهو الذي نزلت فيه الآيات الطويلة في سورة المدثر: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} [المدثر:11 - 14] إلى آخر الآيات.
قال: فلم يعاقبهم الله وقد قضى عليهم في الأزل أنهم من الهالكين.
قال [عن ثابت البناني قال: رأيت عمرو بن عبيد في النوم يحك آية من المصحف، فقلت: ما تصنع؟ فقال: أثبت مكانها خيراً منها].
هذا عمرو بن عبيد يريد أن يثبت آية في كتاب الله خيراً من كلام الله عز وجل.
وعن عاصم الأحول قال: [جلست إلى قتادة فذكِر في هذا المجلس عمرو بن عبيد، فقلت: يا أبا الخطاب! -وهي كنية قتادة - ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض.
قال: يا أحول! أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم؟!] لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى أشياء من الغيبة، فذكرك أخاك بما يكره غيبة إلا ما استثناه النبي عليه الصلاة والسلام، ومن هذا المستثنى ذكرك صاحب البدعة، وصاحب الفجور الذي يجاهر بفجوره ومعصيته.
ولذلك تلك المرأة التي لاعنها زوجها هلال بن أمية عند النبي عليه الصلاة والسلام، قيل: لـ ابن عباس أهي هذه المرأة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كنت جالداً أحداً أو راجماً أحداً بغير بينة لرجمت هذه) قال: لا.
إنما هذه امرأة أعلنت السوء، والحديث في الصحيحين.
يعني: لو كان يحل لي أن أرجم أحداً بغير بينة ولا شهود ولا إقرار لرجمت هذه المرأة التي اشتهر عنها البغاء والزنا، ولكن لم يثبت عليها بشهادة أربعة، وهو نصاب الشهادة في الزنا فلا يحل إقامة الحد، بل من تكلم في عرض أحد بغير نصاب الشهادة جلد هو في ظهره ثمانين جلدة، وهو حد القذف.
[قال: يا أحول! أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم؟!] هذا صاحب البدعة ينبغي أن يذكر ببدعته في المجالس وعلى الملأ حتى نحذر بدعته.
قال: [فجئت من عند قتادة وأنا مغتم -لم يعجبه كلام قتادة، مع أنه كان قدرياً ثم تاب- لقوله في عمرو بن عبيد، وما رأيت من نسك عمرو بن عبيد وهديه]، يعني: غره نسك صاحب البدعة، وأصحاب البدع لعلهم أشد في العبادة من أصحاب السنة، فيغتر الجهلاء والحمقى بهذه العبادة، كيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام نفسه شهد بهذا فقال: (سيأتي أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
وأنكر أبو موسى الأشعري على هؤلاء الناس العبادة والذكر والتسبيح والتهليل، وابن مسعود الفقيه الصحابي الجليل رضي الله عنه لم تنطلي عليه هذه العبادة، وأنها عبادة غير مستقيمة ولا مرضية، فلذلك قال لهم لما رآهم على هذه الكيفية من العبادة والتي لم تأت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام قال: إما أنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة ولا أراه إلا هذا.
أي: ولا أراكم إلا على ضلالة، مع أنه رآهم يسبحون ويكبرون ويهللون ويحمدون.
فأنت رجل لا علم عندك، أول ما ترى صاحب بدعة له عبادة أو له شهرة بالدعوة إلى الإسلام تغتر به، مثل من سمع عن خميني إيران عندما قاد الثورة الإسلامية، الكل ذهب يطبل ويزمر فرحاً بالثورة الإسلامية الثورة بنيت على غير أساس ودليل، بل بنيت على الباطل من أولها إلى آخرها، وكل ما في الأمر أنه نجح في تطويع شعبه