الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: ففي هذا الباب الذي بين أيدينا لا يزال الكلام موصولاً ابتداءً عن القدر، وزعم قوم أن الله تبارك وتعالى خالق الخير، وأنه ليس خالقاً للشر، وهذه عقيدة وثنية؛ لأن الوثنيين كانوا يعتقدون أن للكون إلهين: إله للنور وإله للظلمة.
وغيرهم كان يعتقد أن للكون إلهين: إله للخير وإله للشر، وأن إله الخير لا يخلق الشر، وأن إله الشر لا يستطيع أن يخلق الخير، وهذه عقيدة مجوسية وثنية، ولذلك ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (القدرية مجوس هذه الأمة).
في الوقت الذي لم يكن هناك قدرية في ذلك الوقت؛ لأن القدرية في زمن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن لهم ظهور ولا نابتة، ومع هذا حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام، وقبل أن نبدأ في هذا الباب لا بد وأن نعرج على أصول الإيمان بالقدر، أو مراتب القدر: المرتبة الأولى: مرتبة العلم.
أي: أن الله تبارك وتعالى علم ما كان وما يكون وما سيكون.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، لما علم الله عز وجل كتب، ولا أقول: لما علم أنه كان غير عالم ثم علم، ولكن العلم الأزلي السرمدي الأبدي ثابت لله عز وجل، فعلم الله عز وجل بما هو كائن قبل أن يكون فكتبه في اللوح المحفوظ.
العلم أولاً ثم الكتابة، ثم المشيئة والإرادة.