فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتاه رجل فقال أبو بكر: خلق الله الخلق فكانوا في قبضته فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام.
حينما خلق الله عز وجل الخلق قسمهم إلى قسمين: فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام، وقال لمن في يده الأخرى -وهي اليمين أيضاً؛ لأن كلتا يديه يمين-: ادخلوا النار ولا أبالي.
قال: فذهبت إلى يوم القيامة.
أي: ذهبت كل طائفة منهما إلى يوم القيامة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن نافع عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ -يسأله عن وقوع المعاصي هل تقع بقدر، أي: هل الله عز وجل قدرها؟ - قال: نعم].
أبو بكر قال: الزنا يقع بقدر، ولعلكم تذكرون أننا حينما تكلمنا عن القدر قلنا: هناك مشيئة كونية ومشيئة شرعية، أو قدر شرعي وقدر كوني، ولا يلزم في القدر الكوني محبة الله عز وجل، وإنما يلزم في القدر الشرعي، فكل ما في الكون يقع بقدر الله عز وجل من خير وشر، بمعنى: أن الله تعالى أذن في وقوعه وقدره.
فقال الرجل لـ أبي بكر: أرأيت الزنا بقدر؟ قال أبو بكر: نعم.
قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ فهذا فهم القدر بمعنى: أن الله تعالى جبره على ذلك.
قال: [فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال أبو بكر: نعم.
يا ابن الخنا! -أي: يا ابن الفحش- أما والله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك].
أي: لو كان عندي الآن من آمره أن يجأ أنفك وأن يضربه لفعلت.
قال: [وهذا عمر رضي الله عنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني]، أي: إن كنت قدرت علي الشقاء فامحه عني واجعلني في السعداء، وهذا يثبت أن عمر إنما كان يؤمن أن الخير والشر بيد الله عز وجل، وأن الله تعالى كتب وقدر الخلائق إلى قسمين فجعل أحدهما في النار والآخر في الجنة، فلما خفي هذا عن عمر رضي الله عنه وفي أي القسمين هو ناجى الله عز وجل بقوله: اللهم إن كنت كتبتني شقياً -أي: قدرت علي الشقاء- فسامحني واكتبني في السعداء.
قال: [وقال أبو عثمان النهدي: سمعت عمر بن الخطاب وهو يطوف بالبيت قال: اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في الشقوة -أي: في فريق الشقاء- فامحني منها وأثبتني في السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب].
والمحو والإثبات في الصحف التي بيد الملائكة، أما أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ فلا محو فيه ألبتة؛ لقول الله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39] فالمحو والإثبات بيد الملائكة {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] الذي ليس فيه محو ولا إثبات بعد الذي أُثبت فيه.
قال: [وعن ابن أبزى قال: أتي عمر فقيل له: إن ناساً يتكلمون في القدر فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفس عمر بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما].
حينما بلغ عمر أن رجلاً تكلم في القدر بمعنى أنكره أو أنكر علم الله عز وجل، وأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها قال: والله لا يأتيني أحد يتكلم في القدر إلا ضربت عنقه.
وهكذا مهمة الأمراء والولاة والخلفاء: الحفاظ على الدين أولاً، وعلى عقيدة الناس بعد ذلك.
قال: [فأحجم الناس فما تكلم فيه أحد حتى ظهرت نابغة الشام]، أي: حتى ظهر من يتكلم في ذلك بالشام.
قال: [وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب في الناس يوماً فقال: ما يمنعه أن يقوم فيخضب هذا من هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! أما إذ عرفته فأرنا نبير عترته.
فقال: أنشدكم الله ألا يقتل بي غير قاتلي.
قالوا: فأوصنا.
قال: أكلكم إلى ما وكلكم الله ورسوله إليه.
قالوا: فما تقول لربك إذا قدمت عليه؟ قال: أقول: كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم حتى توفيتني، وهم عبادك إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم].
والشاهد قوله: إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم، يدل على أن الصلاح والفساد بيد الله عز وجل.
قال: [وهذا عبد الله بن سبع يقول: إن علياً خطبهم بهذه الخطبة.
وقال عبد الله بن الحارث: سمعت علياً يقول: ليأتين على الناس زمان يُكذبون فيه بالقدر، تجيء المرأة سوقاً أو حاجتها، فترجع إلى منزلها وقد مُسخ زوجها بتكذيبه القدر].
أي: أن المرأة تترك بيتها وتذهب إلى السوق وزوجها يتكلم في القدر، والمعلوم أن الواحد يقضي حاجته بأسرع وقت في السوق؛ لأنها شر البقاع، فإذا انقلبت المرأة بعد قضاء حاجتها من السوق إلى بيتها وقد اشترت حاجاتها تجد أن زوجها الذي تركته زوجاً ورجلاً قد مُسخ قرداً أو خنزيراً؛ لماذا؟ لأنه يتكلم في القدر.
قال: [وعن علي بن أبي طالب قال: إن القدر