وها نحن اليوم مع الأدلة من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في إثبات أن الخير والشر من عند الله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يقول: إذا كان الخير والشر من عند الله فلِم يعاقبنا عليه؟ لأنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعصية إلا بشرط التوبة منها.
ولذلك إذا كانت المعاصي من قدر الله فإن العقوبات كذلك من قدر الله، فهل ترضى أن تُقطع يدك؟ سيكون الجواب حتماً: لا.
لأنه لا أحد يرضى بذلك، فإذا كنت لا ترضى بقطع يدك فلِم مددتها للسرقة؟ لِم أطلقت ليدك العنان أن تأخذ أموال الناس من أحرازها؟ فإذا كانت المعاصي من قدر الله وهي كذلك، فلا بد أن هذه العقوبات هي كذلك من قدر الله، فلا بد لكل إنسان ذكي عاقل قبل أن يفكر في الذنب أن يفكر في عقوبته، وأن الذنب وعقوبته المترتبة عليه إنما هما بقدر الله عز وجل.
وأقوال الصحابة في إثبات أن الخير والشر من عند الله عز وجل كثيرة جداً لا تكاد تحصى، بل لم يأتنا نص واحد عن صاحب من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يبين أن الخير من عند الله وأن الشر من عند الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا أنه لا يكون في ملك الله إلا ما أراد وقدر، فإذا كان هذا الأمر محل إجماع الصحابة رضي الله عنهم فكفى به إجماعاً، بل كفى به دليلاً، فلو لم يأت في كتاب الله آية واحدة ولا في سنة النبي عليه الصلاة والسلام حديث واحد لكفى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن الخير والشر من عند الله عز وجل.
تصور أمر يُجمع عليه جميع الأصحاب ولم يأتنا مخالف لهم، بل لم يأتنا مخالف لهم حتى ممن أتى بعدهم من أهل السنة والجماعة وممن نهج منهج أهل السنة، فكيف يكون هذا الأمر محل نزاع أو محل خصومة؟