قال: [وفي قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33]].
الخطاب هنا للنبي عليه الصلاة والسلام {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33] فهذه الآية عظيمة جداً، أي: ما كان الله تعالى ليعذبهم يا محمد وأنت باق فيهم لمهمة قيام الحجة عليهم؛ لأن الله تعالى لا يعذب أحداً إلا إذا بلغته الحجة، فما دام النبي عليه الصلاة والسلام قائم بحجة الله في خلقه فمن العدل أن الله تعالى لا يعذب أحداً لم تبلغه الحجة.
ثم قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] الاستغفار هنا بمعنى الإيمان، أي: وما كان الله معذبهم وهم مؤمنون، وإنما يعذب أهل الشرك.
ويقول للكافر: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، والطيب يكون على غير ما عليه الكافر، ولا بد من الابتلاء، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، والفتنة هي التي تنقي المعادن الطيبة، وتميزها عن المعادن الخبيثة، فإذا وقعت الفتنة ظهر فيها من كان صادقاً في ادعائه للإيمان ومن كان كاذباً في هذا الادعاء.
قال: [فميز أهل السعادة من أهل الشقاء].
وقال: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال:34] أي: عذب الله أهل الشرك بالسيف يوم بدر، كما عذب أهل الإيمان بالسيف كذلك، لكنهم ثبتوا فتميز صف الموحدين في جانب النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وتميز صف أهل الخبث والجحود والشرك في جانب قريش.