إثبات صفة النَفَس لله تعالى

صفة النَفَس لله عز وجل جاء فيها حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مول ظهره إلى اليمن: (إن لأجد نَفَس الرحمن من هنا).

ولم يقل: نَفْس الرحمن.

رواه الطبراني والبزار والبخاري في التاريخ الكبير والبيهقي في الأسماء والصفات، وأسانيده صحيحة.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن).

وشيخنا الألباني حفظه الله حكم على هذا اللفظة: (نفس الرحمن) بالشذوذ والنكارة، وهو الوحيد الذي تفرد بتضعيف هذه الزيادة.

ولا أتصور أن معه الحق في ذلك حفظه الله، فهو مجتهد عظيم، ولكنه خالف العلماء سلفاً وخلفاً في تضعيف هذه اللفظة، وللحديث شواهد على فرض ضعف هذه الرواية التي تكلم عنها شيخنا، وهي حديث أبي هريرة في المسند، حتى وإن أثبت أنها ضعيفة، فإنما يشهد لها حديث سلمة بن نفيل السكوني، وكذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه موقوفاً عليه: (لا تسبوا الريح؛ فإنها من نفس الرحمن تبارك وتعالى).

ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح، بل قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

وقال الذهبي: بل صحيح على شرط البخاري فقط.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).

قال الأزهري في تهذيب اللغة بعد أن ذكر هذا الحديث: (أجد نفس ربكم من قبل اليمن).

قال: أجد تنفيس ربكم عنكم.

أي: تفريج ربكم، فأول النفس بالتنفيس وتفريج الكربات؛ لأن الله جل وعز نصرهم بهم، وأيدهم برجالهم.

وكذلك قوله: (الريح من نفس الرحمن).

أي: من تنفيس الله بها عن المكروبين، وتفريجه عن الملهوفين انتهى كلامه.

وقال في القاموس المحيط: وفي قوله: (ولا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن)، (وأجد نفس ربكم من قبل اليمن)، قال: هو اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من نفس تنفيساً ونفساً.

أي: فرج تفريجاً.

وهو واقع في نفس التأويل أيضاً.

قال أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات بعد أن ذكر حديث: (الريح من نفس الرحمن).

قال: اعلم أنا شيخنا أبا عبد الله -وهو أحمد بن حنبل - ذكر هذا الحديث في كتابه -أي: في مسنده- وامتنع أن يكون على ظاهره في أن الريح صفة ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله.

ويكون معناه: أن الريح مما يفرج الله عز وجل بها عن المكروب والمغموم، فيكون معنى النفس بمعنى التنفيس، وذلك معروف في قولهم: نفست عن فلان.

أي: فرجت عنه، وكلمت زيداً في التنفيس عن غريمه.

أي: في أن يفرج وأن يحط عن غريمه الدين.

ويقال: نفس الله عن فلان كربه.

أي: فرج عنه.

وروي في الخبر: (من نفس عن مكروب كربة، نفس الله عنه كربة يوم القيامة).

وفي الخبر: أن الله فرج عن نبيه بالريح يوم الأحزاب، فقال سبحانه وتعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9].

وإنما وجب حمل هذا الخبر على هذا.

أي: حمل خبر النَفَس على التنفيس، ولم يجز تأويل غيره من الأخبار.

يريد أن يقول: إن الخبر هذا بالذات يجوز تأويله، لأنه قد روي في الخبر ما يدل على ذلك؛ وذلك أنه قال عن الريح: (فإذا رأيتموها فقولوا: اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به).

فإذا كانت الريح من نفس الرحمن تبارك وتعالى، وليست من تنفيس الكربات فيكيف نستعيذ بالله تبارك وتعالى من شر الريح، ومن شر ما تحمل، ومن شر ما فيها وما أرسلت به؟! هذا لا يليق بالله عز وجل، وهذا يقتضي أن فيها شراً، وأنها مرسلة.

قال: وهذه صفات المحدثات -أي: صفات المخلوقات- وفي النفس شيء من هذا الكلام.

الله تبارك وتعالى قد ثبت في غير ما دليل أنه يضحك، يأتي، يسخط، يغضب، ينزل إلى السماء الدنيا.

وعند إطلاق هذه الأوصاف على المخلوقين فإنها محدثة مخلوقة، ونحن نعلم أن الخير والشر من الله عز وجل، ولا يكون في الكون إلا ما أراد، والريح مخلوقة بدليل أنها تسكن تارة وتهيج تارات أخرى، فلما قلنا: بأن الريح من نفس الرحمن.

أي: أن الله تبارك وتعالى له نفس من آثار هذه الصفة الله تبارك وتعالى يخلق الرياح التي تحمل الخير تارة، والتي تحمل الشر تارة أخرى.

ما المانع أن نؤمن بأن لله تعالى نفساً، وأن الله تبارك وتعالى يجعل من هذه النفس الرياح التي تحمل الخير والشر، وإن كانت محدثة فإن إحداث ال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015