قال: [حدثني هشام بن عروة عن أبيه: جاءنا سائل فسأل بوجه الله.
قال: فقام الزبير فعلاه بالدرة -يعني: ضربه بالدرة- فقال: أبوجه الله تسأل؟ ألا سألت بوجه الخلق].
يعني: لو أنك سألت بوجه الخلق كان فيه فسحة، لكن كونك سألت بوجه الله إذاً: ألزمتنا بأن نعطيك.
وهذا يدل على أنهم يؤمنون بأن لله وجهاً.
قال أشعب: [دخلت على القاسم بن محمد في حائط له وكان يبغضني في الله وأحبه فيه].
انظروا إلى الصراحة، أشعب دخل على القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: وكنت أحبه في الله؛ لأن القاسم مستقيم، لكن أشعب كان فيه انحراف.
قال: وكنت أحبه في الله ويبغضني فيه، لكن بغض القاسم لـ أشعب لم يمنع أشعب أن يحبه في الله؛ وذلك لأنه على الاستقامة.
[فقال: ما أدخلك علي؟ اخرج عني.
قلت: أسألك بوجه الله لما جذذت لي عذقاً].
يعني: لو قطعت لي عنقوداً من العنب أو شيئاً من هذه الثمار، فإنني أسألك بوجه الله العظيم.
[قال: يا غلام! خذ له عذقاً فإنه سأل بمسألة لا يفلح من رده].
وهذا فيه إثبات الوجه لله عز وجل.
قال: [عن ابن عمر قال: احتجب من خلقه بأربع -أي: أن الله عز وجل احتجب من خلقه بأربع-: بنار وظلمة ونور -ولم يذكر الرابعة- وخلق أربعاً بيده: آدم والعرش والقلم وجنة عدن].
وأنتم تعلمون أنه تبارك وتعالى كتب التوراة بيده، فإما أن يقصد ابن عمر أن الله تعالى كتب التوراة بيده.
أي: حيث أمسك الله تبارك وتعالى القلم بيده فكتب التوراة، أو أنه كتب التوراة بيده كيف شاء، والذي يترجح إلي الثاني دون الأول.
قال: [(وقال لسائر خلقه: كن فكان)].
يعني: خلق الله تبارك وتعالى بيده أربعاً ثم قال لسائر خلقه: (كن) أمر، فكان.
[قال عبد الله: خلق الله أربعاً بيده: العرش وآدم والقلم وعدْن، وقال لسائر خلقه: كن فكان].
وهذا طبعاً يوافق قول عبد الله بن عمر.
وقال وكيع: [إذا سئلتم: هل يضحك ربنا؟ فقولوا: كذلك سمعنا].
لأن صفة الضحك صفة فعل، إذا شاء ضحك وإذا شاء لم يضحك، بخلاف صفة الذات، فالضحك ليست صفة ذات، وضحك المولى عز وجل ليس كضحكنا؛ لأننا لو قلنا بذلك لكان هذا يستلزم الفم والثغرين والأسنان على حسب حال الضحك من المخلوقات، فمنهم الذي يضحك فيبتسم في وقار، ومنهم الذي يضحك ويفتح فمه، فالمولى تبارك وتعالى لا يقاس بخلقه ولا يشبههم قط؛ بل نثبت له صفاته وأفعاله على الوجه اللائق به تبارك وتعالى.
قال: [إذا سئلتم: هل يضحك ربنا؟ فقولوا: كذلك سمعنا].
أي: أن الضحك لا يثبت إلا بالسمع، ولا يثبت بالعقل؛ لأننا لم نر الله عز وجل، وصفة الفعل تثبت بالعقل والسمع تارة، وتثبت بالسمع تارة، فصفة الضحك تثبت بالسمع؛ لأننا لم نره تبارك وتعالى.
قال: [نا بقية: قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد! ما تقول في قوم يبغضون حديث نبيهم؟] يقصد حديث النبي عليه الصلاة والسلام المتعلق بالصفات.
[قال: قلت: قوم سوء].
الذين يبغضون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوم سوء.
[قال: ليس من صاحب بدعة تحدثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بخلاف بدعته إلا أبغض الحديث].
وهذه علامة من علامات أهل البدع، أنك ما حدثته بآية ولا بحديث يخالف بدعته وهواه إلا أبغض الآية وأبغض الحديث وإن لم يظهر ذلك عليه، وإن لم يصرح لغيره ببغضه الآية والحديث، فصاحب الهوى إذا حدثته بآية تخالف هواه أو بحديث يخالف هواه تحير وتكلف الرد على الآية والرد على الحديث؛ لأنه يقدم هواه على المفهوم والمنقول.
قال الفضل بن زياد: [سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة].
يعني: يجب الإيمان والتسليم المطلق لله عز وجل ولرسوله.
وقال مخلد بن الحسين: [قال الأوزاعي: يا أبا محمد! إذا بلغك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام حديثاً فلا تظنن غيره].
أي: فلا تعتقد غيره.
[فإن محمداً عليه الصلاة والسلام كان مبلغاً عن ربه].
وإذا كان هو الذي يبلغ عن ربه فهو أعلم، وهذه البلاغات التي أبلغنا بها عليه الصلاة والسلام مصدرها الوحي، والله عز وجل أعلم بنفسه، يضحك، يغضب، يرضى، يسخط هو أعلم؛ لأنه يخبرنا عن نفسه التي لم نرها نحن تبارك وتعالى، فإذا كان الله عز وجل أثبت لنفسه الغضب فكيف أصرفه أنا، أو كيف لا أؤمن به؟ مع أن الذي أخبرني بهذا هو المولى تبارك وتعالى، فإذا أتاك الخبر عن الله وعن رسوله فآمن به ولا تعتقد غيره.
وقال بقية: [ثنا الأوزاعي قال: كان الزهري ومكحول يقولان: أمروا الأحاديث كما جاءت].