أهل السنة والجماعة يؤمنون أن لله عز وجل يدين، وأن إحدى يديه يمين، فهل الأخرى توصف بالشمال، أو أن كلتا يديه يمين؟ القائلون بإثبات صفة الشمال منهم: عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، والإمام محمد بن عبد الوهاب، وصديق حسن خان، ومحمد بن خليل هراس ذلك العالم النحرير المصري، وعبد الله بن سليمان الحجازي، وأدلتهم في ذلك هي: ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى).
وهذا إثبات لليمين، (ثم يقول: أنا الملك.
أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك) إلى آخر الحديث.
والشاهد في هذه الجزئية: (ثم يقضي الأرضين بشماله).
والحديث في صحيح مسلم من طريق عبد الله بن عمر.
وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي).
يعني: أنتم قسم الجنة وحظ الجنة.
(وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي).
هذا الحديث حديث حسن، ولكن من ذهب إلى إثبات اليسار لله عز وجل فسر الضمير هنا بأنه يسار المولى تبارك وتعالى، وليس كذلك السياق، فأنتم تعلمون أنه لا يستقيم قط أن يكون الضمير عائداً على المولى تبارك وتعالى، قال: (خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه) والضمير يعود على أقرب اسم مفرد (كتف)، أي: كتف آدم اليمين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، (وضرب كتفه اليسرى) والضمير يعود على كتف آدم، (فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي) أي: الذرية التي خرجت من كتف آدم الأيمن إلى الجنة ولا أبالي.
قال: (وقال للتي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي).
فسقط احتجاجهم بهذا الحديث؛ لأن الضمير في (كتفه) يعود على كتف آدم.
ومن أدلتهم: أنه قد ورد في بعض الأدلة: (ويأخذ الله تبارك وتعالى السماوات بيمينه، أو يطوي السماوات بيمينه، والأرضين بيده الأخرى).
قالوا: (الأخرى) تستلزم أن تكون في مقابلة اليمين، وهذا تأويل واجتهاد في النص، فإذا كان يقول: (يطوي المولى تبارك وتعالى السموات بيمينه، ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى) قالوا: لابد أن تكون الأخرى هي اليسرى، وهذا استنباط من النص، وهذا الاستنباط ربما يصح في جنب المخلوقين، لكنه لا يصح في جنب الله عز وجل، فلا يستقيم مع النصوص التي وردت بأن كلتا يديه يمين.
ونحن نعلم أنه لا اجتهاد مع النص، فإذا كان النص قد ثبت بأن كلتا يديه يمين، فلا يجوز أن نقول في لفظه: (بيده الأخرى): أنها اليسار؛ لأنها في مقابلة مذكورة وأنها اليمين، وهذا من أدلتهم في وصف إحدى اليدين باليمين كما في الأحاديث السابقة، وهذا يقتضي أن الأخرى ليست يميناً فتكون شمالاً.
على أية حال: اجتهد كل واحد في إثبات ما لديه من علم، والذي يترجح من خلال النصوص أن كلتا يدي الله يمين لا شمال ولا يسار فيهما.
ومن القائلين بهذا: إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى في كتابه العظيم كتاب التوحيد، والإمام أحمد بن حنبل، والبيهقي.
ومن العلماء المعاصرين: جميع العلماء إلا الشيخ الغنيمان فقد تردد في ذلك، ولا أظن أنه قطع في هذا.