أيضاً: أحد مشايخي في الأزهر كنت أظن فيه خيراً، وكان شديداً جداً في السنة، ولم أكن أعرف أن عنده هذا التأويل العظيم، فقلت له: نريد أن تعطينا محاضرة في مسجد الرحمة، قال: نعم، وأين مسجد الرحمة؟ قلت له: في شارع الهرم، قال: أولم تجد إلا شارع الهرم؟ قلت له: لا بأس فيه خير أيضاً إن شاء الله، قال: ما عنوان المحاضرة التي تريدونها؟ أتريدونها في العقيدة أم في الأصول أم في الفقه؟ قلت له: لا، إنما نريدها محاضرة عامة، قال: ولنجعلها في العقيدة، قلت له: هناك عندنا ناس يا دكتور! يقولون: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] يعني قوة الله فوق قوتهم، قال لي: نعم هكذا أقول، وماذا تقولون أنتم؟ قلت: يكفي يكفي لا نريدك، وكنت أتكلم معه بالتليفون وأنا بعيد منه، ثم قال: ماذا تقولون يا أخي؟! قلت له: نثبت لله يداً حقيقية، قال: من قال لكم هذا الكلام؟ قلت: الذي قال لنا هذا الكلام النبي عليه الصلاة والسلام ثم أبو بكر وعمر، قال لي: أنتم تكذبون على هؤلاء، هؤلاء أطهار وأشراف.
وقد دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها على أن لله تعالى وجهاً، كما أن له يدين وسمعاً وبصراً وصورة وعلماً وحياة وقدماً، وغير ذلك مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فيجب إثبات الوجه لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل.
ونحن نثبت الوجه لله عز وجل؛ لأن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وكما أننا نثبت لله تبارك وتعالى ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك نثبت له تعالى وجهاً لا شبيه له ولا نظير.
وقد نفى الجهمية وأشباههم من نفاة الصفات صفة الوجه عن الله تعالى، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وأتوا بعبارات مجملة تحتمل حقاً وباطلاً، وأرادوا بها قطعاً معنى باطلاً؛ كي يلبسوا بها على الخلق، وهذه الألفاظ المجملة يلهج بها أهل البدع؛ لينفوا بها صفات الباري جل وعلا.