سألت أحد مشايخ الأزهر كان يدرس العقيدة للسنة الأولى في كلية الشريعة، وقد أكثر من قول: (والمتكلمين).
فقلت له: من المتكلمون؟ قال لي: أهل السنة، قلت: من هم؟ قال لي: الأشاعرة والماتريدية مجموعهم هم أهل السنة، قلت: والمعتزلة؟ قال: والمعتزلة خالفوا في بعض الصفات فقط، قلت: ومن الذي خالف في كل الصفات؟ قال: الذين أثبتوها على ما جاءت ولم يتعرضوا لها بالتأويل.
قلت: وما الذي منعهم أن يتعرضوا لها بالتأويل؟ قال: جهلهم بالنصوص، قلت: الذي نعلمه من كتب الاعتقاد أن أبا بكر لم يتعرض لهذه الآيات بالتأويل، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نتبع سنة هؤلاء، فقد قال: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين).
قال: لا، أمر النبي عليه الصلاة والسلام باتباع سنة الخلفاء في السياسة والحكم، قلت له: من أين لك هذا القيد؟ قال: لأن السنة إذا أضيفت إلى خليفة قصد بها الحكم، وإذا أضيفت إلى عالم قصد بها في هديه وسمته، قلت: أيضاً سنطالبك بالدليل في هذا.
وكان أكبر رأس في الأزهر، وهو رئيس جامعة الأزهر، وهو الدكتور عبد الفتاح الشيخ.
ثم قلت له: يا أستاذ! الذي نعلمه من مذهب سلفنا أن أسماء الله تبارك وتعالى وصفاته لا يتعرض لها بالتأويل، وما سكت سلفنا عن تأويل هذه الصفات عن جهل وإنما عن علم وإيمان، فقد آمنوا بها ولم يرد أن أحداً منهم سأل النبي عليه الصلاة والسلام ما المقصود باليد أو الوجه أو الساق أو القدم أو الأنامل أو الأصابع؟ وهب أن أبا بكر جاهل، فهل الأمة والصحابة في ذلك الزمان كلهم جهال؟ فقد علمهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يسألوا إذ لم يعلموا، فكونهم لم يسألوا دليلاً على أنهم آمنوا بها كما جاءت، وأمروها ولم يتعرضوا لها بتأويل، وأما من تعرض لها بتأويل فإنه خلفي وليس سلفياً.
قال: ماذا تقصد؟ قلت: أقصد أن من تعرض لها بالتأويل أشعري، والأشاعرة ليسوا من أهل السنة بل هم من أهل القبلة، وهذه مجاملة معهم، وأما أن تدعي أمام الطلاب أن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة فهذا تلبيس، فثار ثورة عارمة وسب وشتم، ثم حرش بي عند العساكر الذين كانوا يحرسونه.
في المحاضرة الثانية كنت جالساً في الدكة الأولى، فقال في صفة الكلام لله عز وجل: والكلام ثابت لله عز وجل، فقلت: يمكن أنه تاب والحمد لله، ويبدو أن الرجل قد راجع نفسه واستقام، فقال: ولكن ليس على مذهب الحشوية، فقلت له: يا شيخ! من الحشوية؟ قال: من سموا أنفسهم بالسلف، قلت: نحن يعني؟ قال: هو أنت، قلت له: ليس أنا فأنا تابع، قال: وأما الكلام الثابت لله عز وجل فهو كلام نفساني، وإن الله لا يتكلم على الحقيقة، قلت: آخر الكلام ينقض أوله، قال لي: كيف؟ قلت له: الله تبارك وتعالى يتكلم كلاماً على الحقيقة متى شاء وبأي كيفية شاء ونحن لا نعلم حقيقة الكيفية، قال لي: كيف؟ وهل ربنا يؤاخذنا بشيء لا نعلمه؟ قلت له: لا، وأرجو ألا ترفع صوتك حتى لا تضيع المعلومة، فالكلام ثابت لله عز وجل على المعنى اللائق به، ثم قلت له: وهل أنت رأيت ربنا؟ قال: لا، قلت: هل رأيته كيف يتكلم؟ قال: لا، قلت له: وكيف أثبت أن له كلاماً نفسانياً؟ وما الذي يمنعك أن تثبت له الكلام على الحقيقة؟ قال: كيف يا بني؟ وهل له أسنان ولسان؟ قلت له: وهل لابد أن نثبت له ذلك؟ قال: فكيف تقول: إنه يتكلم حقيقة؟ قلت له: هل ربنا له مخ؟ فلو أن له مخاً فسيتكلم كلاماً نفسانياً، فهل تثبت له المخ؟ قال لي: لا، قلت له: كيف يكون له كلام نفساني؟ قال: تعال إلى المكتب لنتناقش، قلت له: بل هنا؛ لأنك تكلمت بهذا الكلام أمام الطلاب، ولا يصلح أن يخفى هذا على الطلاب، ولا أن تعتقد أنت لنفسك أن الله تبارك وتعالى يتكلم كلاماً نفسانياً، ومعذرة فأنا سأبيّن الطلاب ماذا يعني الكلام النفساني عند الأشاعرة، ثم قلت له: من أول من سن الأشعرية؟ قال لي: أبو الحسن الأشعري، قلت له: وفي أي قرن كان؟ قال: في القرن الثاني، قلت له: وفي خلال هذين القرنين أتظن أن الأمة كانت مجمعة على الضلال إلى أن أتى أبو الحسن الأشعري؟ ثم إن أبا الحسن الأشعري صنف كتباً بعد توبته وأعظمها كتاب (الإبانة)، وكتاب رسالة إلى أهل الثغر أثبت فيها عقيدة أحمد بن حنبل، وخلع نفسه من عقيدته الأولى -عقيدة المتكلمين- وقد تكلم بكلام عظيم ومتين جداً في الإثبات والنفي على مذهب السلف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل.
إذاً: فمن ماذا تاب؟ هل تاب من الحق ورجع إلى الباطل أم تاب من الباطل؟ فقال لي: توبة أبي الحسن غير ثابتة، قلت له: بل ثابتة وبقلمه، قال: أنت الذي افتريت عليه، قلت له: كيف؟ قال: أنتم الذين صنفتم كتاب الإبانة.
ثم قلت لهذا الدكتور: دعني أبين للطلاب الكلام النفساني، قال: لا أنا من سيبينه.
ثم قال: الله تبارك وتعالى لا يليق به أن يتلكم كلاماً على ال