القاعدة الأولى التي مشى عليها الخلف وجعلتهم يخالفون سلف الأمة: هي قياسهم الخالق سبحانه وتعالى بالقوانين والمقاييس التي تحكم المخلوق.
فقالوا: إن الله تبارك وتعالى استوى على العرش بمعنى: أنه استولى وقعد على العرش وصار لصيقاً وملاصقاً للعرش؛ وذلك لأن الواحد فينا لو جلس على الكرسي لكان ملاصقاً للكرسي.
ونقول لهم: هل القوانين التي تحكم البشر هي التي تحكم المولى تبارك وتعالى؟
صلى الله عليه وسلم لا؛ ولذلك لما حكموا المقاييس والمعايير التي لا تصلح إلا للبشر في حق المولى تبارك وتعالى وقعوا تارة في التشبيه وتارة في التمثيل، وأحبوا أن يهربوا من تشبيه الخالق بالمخلوق فوقعوا في التعطيل، فغلطوا في كل الأحوال، فلا تعطيل ولا تمثيل ينفعهم، ولا تشبيه ولا تأويل ولا تحريف ينفعهم، فقياسهم الخالق سبحانه وتعالى بالقوانين والمقاييس التي تحكم المخلوق ممتنع في الأصل، فممتنع أن يمثلوا الله بخلقه، أو يقيسوا صفات المولى تبارك وتعالى بصفة المخلوق؛ وذلك للزوم الوحدانية لله عز وجل، أي: أن الله واحد في ذاته، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في أفعاله.
فإذا قلت: المولى تبارك وتعالى تكلم فليس كلامه ككلامنا، بل إنه يتكلم على نحو لا يستطيع أحد من خلقه أن يتكلم مثله؛ وذلك لأنه واحد في كلامه، أي: لا يشبهه أحد من خلقه في صفة الكلام، فهو واحد في أفعاله.
ومن صفات الله المجيء، فربنا تبارك وتعالى يجيء، قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22].
فالرب تبارك وتعالى يأتي، فإن قيل: كيف يأتي؟
صلى الله عليه وسلم الله أعلم، لكنه يأتي؛ لأنه أثبت صفة الإتيان وصفة المجيء لنفسه، فأنا أثبت لله تبارك وتعالى صفة المجيء كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] فلا أقول: وجاء أمر ربك؛ لأن هذا ضلال وزيغ وتحريف للنص، حيث إن الله أثبت لنفسه صفة المجيء، فأنت لو قلت: المقصود بقوله: (وجاء ربك) أمر ربك: لنفيت صفة المجيء عن الله عز وجل، وهذا ليس منهج السلف، بل أنا أثبت لله تبارك وتعالى صفة المجيء، ولكنه مجيء غير مجيئي أنا؛ وذلك لأن هذا فعل لله عز وجل، ولما كان الله تعالى واحد في أفعاله فإن أفعاله لا تشبه أفعال المخلوقين.
إذاً: الله تبارك وتعالى يجيء ويأتي ويغضب ويرضى ويسخط على نحو لا يشبهه مجيء الخلق ولا إتيانهم ولا غضبهم ولا رضاهم ولا سخطهم، فهو واحد لأنه متصف بالوحدانية في الذات والصفات والأفعال.