قال: [أما من السنة: حديث ضمام بن ثعلبة] رضي الله عنه الذي أتى يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عما قد بلغه رسل رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث أنس قال: (نهينا أن نسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء)، وهذا النهي هو المذكور في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101].
فخافوا بعد نزول هذه الآية أن يسألوا النبي عليه الصلاة والسلام خاصة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله عز وجل من سأل عن مسألة فحرمت لأجل مسألته)، أو نحواً من هذا الكلام وهذا المعنى، وكانوا يرغبون عن سؤال النبي عليه الصلاة والسلام، حتى قال أنس بن مالك: (نهينا أن نسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية).
وأهل البادية فيهم جلافة وغلظة، وقد كان الواحد منهم يدخل على النبي عليه الصلاة والسلام كما يدخل على أقرانه وأصدقائه من أهل البادية بجلافة وغلظة وحماقة وبداوة وجفاء، فيسأل النبي عليه الصلاة والسلام بطريقة غير لائقة.
وقول أنس: (فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل).
يعني: المهذب المحترم الذي تأدب بأدب أهل المدينة، لا بأدب البادية.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من بدا جفا).
يعني: من سكن البادية كان فيه من الجفاء والغلظة ما فيه، وقال تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} [التوبة:97].
يعني: فيهم غلظة وجلافة وشدة.
وأهل البادية لا يستريحون مع أهل الحضر، فأهل البادية ينظرون إلى أهل الحضر على أنهم قليلوا العيال فارغين لا ينفعون، وأهل الحضر ينظرون إليهم على أنهم في منتهى الغلظة والجفاء، وعقولهم غير متفتحة.
قال أنس: (كان يعجبنا أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل النبي عليه الصلاة والسلام ونحن نسمع).
وهذا فعل جيد أيضاً؛ لأن أنس لو أراد أن يتفاهم مع هذا الرجل لو سمع وحده فلن يعرف أن ما يأخذه منه حق أو باطل؛ لأنه ربما يستكثر أن يقول له: أنا أرى أن أعمل كيت وكيت، أو ينقله إليه بجلافة وغلظة، ثم إن لسان أهل البادية يختلف عن لسان الحضر.
وقد رأينا أناس في الشام من سكان الجبال كأنهم يتكلون اللغة اللاتينية، وحتى أهل الأردن وأهل سوريا وأهل لبنان لا يعرفون هذه اللهجة.
وأخبرنا أئمة المساجد الذين كلفوا من قبل أوقاف الشام في سوريا والأردن بالذهاب لإمامة الناس في هذه المساجد التي في البادية أنهم لم يجلسوا معهم أسبوعاً واحداً، وأن البطل فيهم هو الذي جلس أسبوعاً، وكانوا يقولون لهم: نحن لا نفهمكم ولا أنتم تفهموننا، وهذه الكلمة فهمها بعد أسبوع، وكانوا يقولون لهم: اكتبوا ما تريدون منا ونحن نقرأ، فالتعامل صعب جداً بين أهل البادية وأهل الحضر.
فقال أنس: (نهينا أن نسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع).
قال: [عن أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً فجاء رجل على جمل له فأناخه ثم عقله -أي: فأناخه على باب المسجد، ثم ربطه بالعقال- ثم قال: أيكم محمد؟)] وهذا من الجفاء والغلظة.
[(قال: قلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ عليه الصلاة والسلام)].
وهذا فيه وصف النبي عليه الصلاة والسلام بالبياض وفيه: جواز الجلوس متكئاً، ولكن إن كان ذلك ولابد فعلى اليد اليمنى لا على اليسرى.
قال: [(ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين أظهر أصحابه، قال: فقال: يا محمد!)] ولم يقل: يا رسول الله، والله يقول: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:63].
يعني تأدباً مع النبي عليه الصلاة والسلام، وأهل العلم لهم من الحرمة ما ليس لغيرهم، وحرمة النبي عليه الصلاة والسلام أشد.
قال: [(قد جئتك يا ابن عبد المطلب! -وهذا أيضاً جفاء جديد- إني سائلك فمشدد مسألتي)].
يعني: أنا سأسألك أسئلة فيها غلظة وجفاء وحدة؛ لأن هذا طبعي، [(فلا تجد علي في نفسك)]، وهذا اعتذار لطيف في أول الكلام.
يعني: يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: أنا جلف جاف، وسؤالي فيه غلظة وحدة، فلا تغضب مني، والوجد هو الحزن والغضب.
قال: [فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (سل عما بدا لك)].
وهذه ليست أخلاق المدينة، بل هي أخلاق النبوة عليه الصلاة والسلام.
قال: [(فقال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم لنا)].
والزعم ليس بلازم أن يكون كذباً، بل هو مجرد القول، وأحياناً يكون الزعم والظن بمعنى الصدق في الحديث، وقوله: (أتانا