الأدلة من القرآن على أن معرفة الله ثبتت بالسمع لا بالعقل

قال: [قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظ خاص والمراد به العام]، يعني: إن هذا الخطاب وإن كان موجهاً إلى شخص النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن المراد به جميع الخلق.

قال: [{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]].

أي: فاعلم يا محمد! أنت وجميع الخلق أنه لا إله إلا الله.

فهذه الآية تدل على توحيد الله عز وجل، وأنه لا إله بحق إلا هو سبحانه وتعالى.

ولو كان يعرف ذلك بالعقل فإن أرجح العقول وأقواها وأهداها سبيلاً هو عقل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد خاطبه الله عز وجل بهذا النقل، والأمر ابتداءً لا يعرف إلا من قبل النقل.

والعرب كانوا من أرجح الناس عقلاً وذكاءً وفطنة، وغير ذلك، ومع هذا كانوا يعبدون الأصنام، ويعبدون غير الله عز وجل، وقالوا بعقولهم: ما نعبد هذه الآلهة إلا لتقربنا إلى الله زلفاً.

والذي هداهم إلى ذلك عقولهم الفاسدة التي كانت من الذكاء والحفظ والإتقان والتثبت بمكان، وربما لا تبلغ أعظم العقول في هذا الزمان أقل العقول في أيام الجاهلية من جهة الحفظ والإتقان، فقد كان الواحد منهم يحفظ القصيدة أو الألفية المكونة من ألف بيت أو ألفين من المرة الأولى، ومع هذا كان منحرفاً في جهة التوحيد وزائغاً ضالاً؛ لأنه ليس عنده نقل يثبت أن الله تعالى إله واحد.

وقد خاطب الله عز وجل نبيه بهذا الخطاب ليثبت له سمعاً ونقلاً ووحياً أن الله تعالى هو المتفرد والمستحق للألوهية وحده، وأن هذه الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل إنما هي آلهة مزعومة.

قال: [وقال الله تبارك وتعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106].

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]].

فهو المستحق للعبادة وحده دون سواه، وكان كل نبي يؤمر بهذا عند رسالته، ويكلف بتبليغ هذا الأمر إلى أمته، فأخبر الله نبيه في هذه الآية أنه بالسمع والوحي عرف الأنبياء من قبله التوحيد.

فالأنبياء أنفسهم لم يعرفوا التوحيد إلا من قبل الوحي، ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قبل الرسالة على الحنيفية السمحاء.

وهذا التوحيد الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بعد الرسالة وبعد التكليف لم يكن يعرفه عليه الصلاة والسلام تفصيلاً قبل الوحي، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام على الحنيفية السمحاء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان صاحب عبادة وتهجد واختلاء بالله عز وجل وذكر له، ولكن ليس بهذه المنهجية والتأصيل الذي أرسله الله عز وجل به، وإلا فما فائدة الوحي في حق النبي عليه الصلاة والسلام حينئذ؟ قال: [فأخبر الله نبيه] أي: في هذه الآيات المتقدمة [أن بالسمع والوحي عرف الأنبياء قبله التوحيد.

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ:50]-أي: قل يا محمد- {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50]]، يعني: أن الهداية بوحي، والإيمان بوحي، والتوحيد بوحي، والوحي سمع ونقل، ولا دخل للعقل فيه؛ لأنه كلام الله تعالى، قال: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ:50].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015