قال: [(يا شعيب بن حرب! لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم من قريش)].
ومنهم الخلفاء الأربعة، وهذا شيء من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: أنهم لا يقطعون لأحد بجنة ولا نار، ولا يقطعون لأحد بأن الله سيرحمه، كما لا يقطعون لأحد بأن الله سيعذبه في النار وإن كان عاصياً، ولا يقطعون بالجنة لأحد حتى وإن كان طائعاً؛ لأن الأعمال بالخواتيم، والله تبارك وتعالى قد علم أهل الجنة وعلم أهل النار، ثم لم يطلع أحداً من خلقه على قسم أهل النار، وعلى قسم أهل الجنة.
أما القطع لأحد من الأمة من غير أن يقطع له رسول الله بأنه من أهل الجنة، فهذا تألٍ وافتراء على الله عز وجل، ولذلك قال رجل في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام: (والله إن الله سيغفر لفلان ويعذب فلاناً، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام أيما غضب، وقال: من ذا الذي يتألى على الله؟).
لماذا تفترون على الله؟ أتعرفون أهل الجنة من أهل النار؟ (أشهدكم أن الله تبارك وتعالى غفر لفلان وآخذ فلاناً -أو وعذب فلاناً- الذي قال: إن الله غفر لفلان وعذب فلان).
فأنت إذا شهدت لأحد بأنه شهيد، فقلت: فلان الشهيد.
هذا قطع بالشهادة لواحد أنت لا تدري أهو شهيد حقاً أو لا؟ أنت عند أن تقول: محمد شهيد، إبراهيم شهيد، زيد شهيد، هذا قطع له بأنه من أهل الجنة؛ لأن الشهداء يقيناً في الجنة، وأنت تضمن له الجنة بطريق إثبات الشهادة، وهذا تأل على الله عز وجل، ولكنك تقول: أرجو أن يكون فلاناً عند الله شهيداً.
لذلك من اعتقاد أهل السنة: أنهم يرجون للطائع المغفرة والجنة، ويخافون على العاصي، ويتمنون ألا يؤاخذه الله، وأن يمنَّ عليه بالتوبة قبل الموت.
هذه عقيدة أهل السنة.
عقيدة أهل السنة: أنهم لا يقطعون لواحد بالشهادة، وبالتالي لا يقطعون له بالجنة، إلا ما جاء الشرع بالقطع لهم بأنهم من أهل الجنة، والذين شهد الشرع لهم بأنهم من أهل الجنة، وهم ليسوا عشرة فحسب، بل هم أكثر من ذلك، فالعشرة مذكورون في الحديث، وأنتم تعلمون أن عكاشة ليس من العشرة، كما في الحديث لما قام إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (ادع الله يا رسول الله أن أكون من أهل الجنة؟ فقال: أنت من أهل الجنة.
فقام آخر وقال: ادع الله لي أن أكون من أهل الجنة.
قال: سبقك بها عكاشة).
أي: الأول الذي أسرع وبادر وقام فطلب هذا الطلب، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة، وغير ذلك ممن شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام وهم كثرة.
الشاهد هنا: أننا لا نقول عن واحد بعينه: إنه شهيد، ولكن نرجو له أن يكون شهيداً، ولذلك جاء في الصحيح: أن رجلاً حارب مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة من الغزوات فبذل بذلاً عظيماً، وجاهد جهاداً عظيماً حتى افتتن به بعض الصحابة، فقالوا: يا رسول الله! والله إننا نرى أن فلاناً من أهل الجنة.
قال: والله إنه من أهل النار، فانزعج الصحابة أيما انزعاج، ولكنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وكان قد تبعه أحدهم حتى أصيب بسهم فلم يصبر على جرحه فوضع ذبابة سيفه في صدره، واتكأ عليها فخرج السيف من ظهره فمات، فلما رأى الرجل ذلك ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله! أرأيت الذي قلنا عنه كذا، وقلت عنه: إنه من أهل النار، قد فعل بنفسه كيت وكيت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر)، فسماه فاجراً مع أنه مجاهد، بل عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين كان يجاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلو تصورنا أن عبد الله بن أبي قتل في غزوة هل يكون شهيداً؟
صلى الله عليه وسلم لا.
لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام: (الرجل يجاهد شجاعة، ويجاهد حمية، ويجاهد ليرى مكانه).
فكل هذه نيات، صحيح أنك تقف في صف الجهاد، تجاهد العدو تبتغي بذلك مرضاة الله وتبتغي بذلك رفع لواء راية التوحيد، والذي بجانبك من هذه الناحية يجاهد من أجل أهله، من أجل أن يقولوا: أرسلنا من قبلنا فلاناً يجاهد، ويقولوا: الشهيد فلان، ومسجد الشهيد فلان، وشارع الشهيد فلان، ويقول: لو أني قتلت سموا الشارع باسمي والمدرسة باسمي والمستشفى.
هذه وصيتي لكم.
والذي بجانبه يجاهد حمية، هو تارك للصلاة والصوم والزكاة، لكن يعز عليه أن اليهود ماكثين في سيناء، أليست هذه بلدنا؟ نعم.
المطلوب أن العدو يخرج منها، فأنا أجاهد اليهود حتى آخر نفس لأخرجهم من أرضي، ليس من أجل الإسلام، وليس من أجل راية التوحيد وليس من أجل الله، في اعتقاده أن هذه أرضنا ولابد أن يخرج اليهود منها.
إذاً: أليس هذا حمية؟ فالذي لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يعرف أي شيء عن دينه، فلو مات في المعركة أتقول عنه شهيداً؟ (الرجل يجاهد حمية، ويجاهد رياء، ويجاهد ليرى مكانه)، من أجل أن