[قال شعيب: فقلت له: يا أبا عبد الله! وما موافقة السنة؟].
شعيب بن حرب مع أنه إمام علم من أئمة السنة إلا أنه أراد أن يستوثق ما معنى: (إلا بمتابعة السنة) أو (موافقة السنة).
فقال سفيان: [تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما].
هل هذا موافقة السنة فقط؟ لا.
ليست هذه فحسب، لكن سفيان الثوري أراد أن يعالج قضية مطروحة على الساحة خالفت فيها الأمة ما كان عليه سلفها، فاختار قضية واقعية تحتاج إلى إظهار عقيدة أهل السنة في مثلها، فـ شعيب قال له: ما معنى موافقة السنة؟ قال له: أن تقدم أبا بكر وعمر على غيرهما من الأمة.
لماذا؟ لأننا هنا في الكوفة، والكوفة تقدم علياً على أبي بكر وعمر، فإن وافقتهم يا شعيب فأنت على غير السنة، وإن خالفتهم فأنت سني.
نحن الآن عندما ندرس عقيدة أهل السنة والجماعة نذكر القضايا التي يموج بها المجتمع موجاً، وخالف فيها المجتمع اعتقاد سلفهم، ولذلك نحن سيمر بنا الآن قضايا فقهية ليست عقدية، مثل المسح على الخفين أهي من مسائل الفقه أو من مسائل الاعتقاد؟ من مسائل الفقه، ومع هذا نرى أن سلف الأمة الذين صنفوا في مسائل الاعتقاد ذكروا المسح على الخفين في كتب الاعتقاد؛ لأن الشيعة قالوا بغير ذلك، ولم يجيزوا المسح، حتى صار عدم جواز المسح على الخفين من أصل عقيدة الشيعة، أما نحن فاعتقادنا في المسح على الخفين الجواز، خالفت في ذلك فرقة من فرق المسلمين، فصارت من هذه الحيثية في ضمن ما يذكر من عقيدة أهل السنة.
ما معنى تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر على غيرهما؟ يعني: أنا المطلوب مني أن أقدم أبا بكر ثم عمر على الأمة بأسرها في الفضل والخلافة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نص على أن أبا بكر هو الخليفة من بعده، وهو أفضل الأمة، ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر، والأمة التي ستوزن أعمالها ويوزن إيمانها الذي يغلب عليها إيمان أبي بكر فيها عمر، وعمر نفسه عجز عن أن يناهض أبا بكر في عمل الطاعة، فكلما أراد أن يسبقه كان السبق لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى اعترف بذلك عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
فهنا نقول: إن أبا بكر مقدم في الفضل والخلافة على الأمة بأسرها بما فيها عمر، وعمر مقدم في الفضل والخلافة على الأمة بأسرها بما فيها عثمان وعلي.
ووقع خلاف بين أهل السنة أنفسهم في الفضل -لا في الخلافة- بين عثمان وبين علي.
فمنهم من قال: عثمان أفضل من علي.
وهؤلاء هم جمهور أهل السنة.
ومنهم من قال: بل علي أفضل من عثمان، بما فيهم سفيان بن سعيد الثوري الذي نحن بصدد سرد عقيدته.
قال: إن علياً أفضل من عثمان، وقيل إنه رجع عن هذا الاعتقاد إلى اعتقاد جمهور أهل السنة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: اختلاف أهل العلم في المفاضلة -أي: التفاضل بين علي وعثمان - مسألة قال بها بعض السلف، ولذلك لا يبدع فيها المخالف.
يعني: لا يصير مبتدعاً من قال: إن علياً أفضل من عثمان، ولكن يبدع من قال: إن علياً أولى بالخلافة من عثمان، كما قالت الشيعة: إن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب.
وهذا يخالف اعتقاد أهل السنة قاطبة؛ لأن هذا كلام في الخلافة، أما الأفضلية فهي مسألة لا يبدع فيها المخالف، ولكن الذي يرجح من اعتقاد أهل السنة وهو كلام جمهورهم: أن عثمان أفضل من علي بن أبي طالب، وهم في الخلافة على نفس الترتيب في الأفضلية.
إذاً: الترتيب في الخلافة والأفضلية: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
ولذلك انظر إلى سفيان الثوري عندما قال له شعيب: ما معنى متابعة السنة؟ قال: تقدمة أبي بكر وعمر.
وسكت؛ لأنه قائل بأفضلية علي على عثمان، فلم يرد الثوري أن يذكر هذه المسألة؛ لأنه يعلم أن الخلاف فيها لا يبدع به قائله، وذكر القول المجمع عليه وهو تقدمة أبي بكر وعم