قال: [عن علي قال: إياكم والخصومة، فإنها تمحق الدين].
أي: تحلقه.
فتجد الواحد كل حياته خصومة وجدال ومراء! قال: [عن ابن عباس قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم بما أهلك من كان قبلهم].
أي: السبب الذي به هلك من كان قبلهم، وهو بالمراء والخصومات.
وعن ابن الحنفية قال: لا تنقضي الدنيا -أي: لا تقوم الساعة- حتى تكون خصومات الناس في ربهم.
أي: حتى تكون الخصومة ليس في المسائل الفقهية، بل في الذات العلية.
وهذا علامة من علامات الساعة، إذ إن الدنيا لا تنقضي حتى يختلف الناس في ربهم وفي ذاته وفي أسمائه وصفاته، وقد وقع الخلاف، والفرق كلها على خلاف في العقيدة، بل وفي الله عز وجل.
قال أبو العالية: إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء.
أي: أن من شأن هذه الأهواء والبدع أنها تلقي بين قلوب الناس العداوة والبغضاء.
فإذا اختلفت مع أخيك في قضية ما، فهل يكون قلبك بعد الخصومة وقبلها سواء؟
صلى الله عليه وسلم لا، لكن ما اختلفوا رضي الله تعالى عنهم فيه من خلاف في فروع المسائل فيسعنا.
وسلف هذه الأمة لم يختلفوا في أصل اعتقادهم.
قال: [قال أبو العالية: تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الإسلام يميناً وشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء.
فحدثت الحسن فقال: صدق ونصح، قال: فحدثت به حفصة بنت سيرين فقالت: يا باهلي، أنت حدثت بهذا محمداً؟ قلت: لا.
قالت: فحدثه إذاً].
أي: فحدث بهذا الكلام الجميل محمد بن سيرين.
قال: [عن الحسن أن رجلاً أتاه فقال: يا أبا سعيد! إني أريد أن أخاصمك، فقال الحسن: إليك عني، فإني قد عرفت ديني، وإنما يخاصمك الشاك في دينه].
أي: أن الذي عنده شك وريبة في دينه هو من يسلك طريق الخصومة والجدال، أما أنا فالحمد لله فمفتخر بديني، وعاقد قلبي عليه، وليس عندي شك، فلم أخاصمك وأداهنك؟ قال: [قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه -وهذا الكلام مهم- غرضاً للخصومات أكثر التحول].
فهو اليوم في حل، وغداً في حل ثاني، وبعد بكرة في حل ثالث، وكلما أتى له واحد ألسن وأعظم بحجته وأكثر بياناً تحول من رأيه الماضي إلى رأي آخر، لذا فالذي يجعل دينه غرضاً للخصومات كلما لاقى خصومة أقوى من سابقتها ترك الخصومة الأولى وتحول إلى الثانية، ثم قد يجد خصومة ثالثة أقوى من سابقتها، فيتركها ويتحول إلى خصومه أخرى، وكل يوم هو في حال؛ لأنه لا استقرار عنده في أمر دينه وعقيدته.
قال: [قال الخليل بن أحمد: ما كان جدلاً إلا أتى بعده جدل يبطله].
لأن الجدل منه قوي ومنه أقوى، فالجدل يوصل إلى جدل، والمرء إذا سلم أمر دينه للجدل فإنما يسلمه إلى أعظم جدال، وكلما ظهر له جدل عظيم تحول إليه، لكن ينبغي على المرء أن يعلم دينه أولاً، ولذلك لا يعجبني قول من يقول بلزوم معرفة أهل السنة والجماعة لعقائد أهل البدع والضلال، إنما الذي يعجبني أن تتعلم أنت عقيدة أهل السنة والجماعة بأصلها، وأن توقن أنما عدا ذلك انحراف، وأياً كان هذه الانحراف فلا يضرني من يقوله، فالذي يلزمني أن هذا القول ليس قول أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، فينبغي ويجب عليَّ أولاً أن أتعلم عقيدتي، وأن أعلم أن ما دون هذه العقيدة إنما هي عقائد باطلة منحرفة، وألا أتعلم عقائد أهل البدع والانحراف في أول الأمر، فأقضي عمري كله في دراسة عقائد اثنين وسبعين فرقة، ثم في الأخير بعد انقضاء العمر أقوم بدراسة عقيدة أهل السنة والجماعة! حتى أعلم أن ما دون هذه العقائد هو الحق، وهو الصواب، بل لابد من دراسة عقيدة أهل السنة والجماعة أولاً، ثم أعلم أن ما دون هذه العقيدة لا يلزمني.
قال: [قال عمرو بن قيس: قلت للحسن بن عتيبة: ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟] أي: ما الذي جعلهم يكثرون من الدخول فيها؟ قال: [الخصومات].
أي: لما فتحوا باب الخصومات على أنفسهم كان لزاماً عليهم أن يدخلوا في هذه العقائد الباطلة.
قال: [عن عنبسة الخثعمي - وكان من الأخيار - قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: إياكم والخصومات في الدين، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق].
قال: [قال الأحنف بن قيس: كثرة الخصومة تنبت النفاق في القلب].
قال: [قال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات؛ فإنها تحبط الأعمال].
قال: [عن الفضيل بن عياض: لا تجادلوا أهل الخصومات؛ فإنهم يخوضون في آيات الله].
قال: [عن