قال: [قال عبد الله بن مسعود: إياكم وما يحدث الناس من البدع، فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة، ولكن الشيطان يحدث له بدعاً حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام، ويتكلمون في ربهم عز وجل، فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب.
قيل: يا أبا عبد الرحمن: فإلى أين؟ قال: إلى لا أين -يعني: يمكث في مكانه- يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحداً من أهل البدع].
وهذا هو الهروب الحقيقي أي: أن يهرب بقلبه ودينه؛ لأن كل مكان فيه بدع وشر، فليهرب بقلبه ودينه، والطريق إلى ذلك: ألا يجالس أهل البدع.
قال: [عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: إذا تكلم الناس في ربهم وفي الملائكة ظهر لهم الشيطان فقدمهم إلى عبدة الأوثان].
وفي رواية: [إلى عبادة الأوثان].
أي: أن مآله في النهاية أن يعبد الأوثان كغيره.
قال: [قال الحسن البصري عن معاذ بن جبل: إنما أخشى عليكم ثلاثة من بعدي - معاذ ينصح الحسن البصري -: زلة عالم، وجدال منافق في القرآن، والقرآن حق، وعلى القرآن منار كمنار الطريق، فما عرفتم منه فخذوه، ومن لم يكن غنياً من الدنيا فلا دين له.
قال عبد المؤمن: فسألت أبي ما يعني بهذا؟ قال: سألناه، فقال: من لم يكن له من الدنيا عمل صالح فلا دين له].
قال: [عن مجاهد قال: قيل لـ ابن عمر: إن نجدة الحروري - وهو على رأس أهل البدع - يقول كذا وكذا، فجعل لا يسمع منه؛ كراهية أن يقع في قلبه منه شيء].
وعبد الله بن عمر إمام، ومع هذا كره أن يسمع مقولة نجدة الحروري.
قال: [عن أبي أمامة الباهلي قال: ما كان شرك قط إلا كان بدوه تكذيب بالقدر -أي: أن أول خطوة من خطوات الشرك بالله: التكذيب بالقدر- ولا أشركت أمة قط إلا بدوه تكذيب بالقدر، وإنكم ستبلون بهم أيتها الأمة، فإن لقيتموهم فلا تمكنوهم من المسألة -يعني: إذا قابلوكم فلا تسمحوا لهم أبداً بأن يسألوكم، ولا تسألوهم أنتم عن شيء- ثم قال: فيدخلوا عليكم الشبهات.
وعن عمر قال: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا].
أي: إياكم وأصحاب البدع، فإنه قد أعيتهم وأنهكتهم الأحاديث أن يحفظوها، وأن يفهموها ويعملوا بها، فانحرفوا عنها إلى الرأي، فقالوا في دين الله بآرائهم؛ فضلوا وأضلوا.
قال: [عن عمر قال: سيأتي أناس سيجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله].
قال: [قال علي: سيأتي قوم يجادلونكم فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله].
وعمر، وابن مسعود، ومعاذ، وعلي بن أبي طالب أعلم كبار الصحابة يحذرون من الاختلاط بين أهل البدع، ومناظرتهم ومجادلتهم، فما بالكم تقحمون مجادلتهم ومناظرتهم؟! قال: [قال أبو واقد الليثي: (إن رسول الله عليه الصلاة والسلام حين أتى حنيناً مروا بشجرة يعلق المشركون عليها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط -رأيت من أين يدخل البلاء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لقد قلتم كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)].
فالذي يقول: اجعل لنا شجرة كما لهم شجرة، لابد وأن يئول به الأمر في النهاية إلى أن يقول: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، مع أن الأمر بدأ بشجرة يعلقون عليها الأسلحة، فالصحابة رأوا الأمر سهلاً لا علاقة له بالشرك، لكن مجرد المشابهة في أقوالهم وأفعالهم الخاصة بهم يؤدي في النهاية إلى الشرك بالله عز وجل، فحذرهم من ذلك فقال: (الله أكبر).
أي: أن الأمر عظيم وخطره كبير؛ لأنكم ستقولون: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.
قوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) أي: هديهم.
وقوله: (حذو القذة بالقذة)، أي: الصغيرة بالصغيرة.
ثم قال: (حتى ولو دخلوا جحر ضب).
ومن الذي يدخل جحر ضب؟! إن هذا واقع، وقد رأينا بعض المسلمين يقلدون اليهود والنصارى في كل شيء، قال: (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.
قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟).
أي: هؤلاء الذين قصدتهم بقولي أنكم ستتبعونهم، ولا يعني به الصحابة فقط، وإنما عنى الأمة بأسرها، والصحابة وقعوا في شيء من ذلك بجهل؛ لأنه لم يسبق لهم علم حتى نهاهم النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك.
قال: [عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخل