كثير من الشباب في مقتبل عمرهم الزوجي أو بعد زواجهم، يشكون أنهم لا يقدرون على وصل نسائهم، فيشكو ذلك ولا علة فيه في الحقيقة، فهو يرى أنه كان قبل أن يقترب من امرأته طبيعياً، فإذا اقترب منها لا يقوى على وصالها.
فلاشك أن العلاج الشرعي في هذه القضايا هو ما أسماه العلماء: بالنشرة، وهي عبارة عن سبع ورقات خضر من ورق السدر، أو ورق النبق، والسدر والنبق هما شجرة واحدة تسمى السدر، وتسمى النبق في بعض النصوص، فتؤخذ الورقات السبع وتدق بين حجرين دقاً، ويطحنهما طحناً، حتى يصيرا كالعجينة، ثم يضعها في ماء كثير يسع للاغتسال، ثم يقرأ على هذا الماء آية الكرسي، والفاتحة، ويقرأ المعوذتين والإخلاص، يفعل ذلك ثلاث مرات، ثم يشرب من هذا الماء ويتظلع، فإذا شبع من هذا الماء اغتسل بالباقي.
ويعتقد أن العلاج من عند الله عز وجل، وأن الشفاء من عند الله؛ لأن اعتقادك أن الدواء شفاء بذاته هذا باب من أبواب الشرك، وإنما الدواء سبيل وسبب للشفاء، أما الشافي على الحقيقة فهو الله عز وجل.
وترك الأسباب -كما يقول أهل العلم- قدح في التوحيد، والاعتماد على الأسباب شرك بالله تعالى.
قدح في التوحيد أن تترك السبب، وشرك بالله أن تعتمد على السبب، تقول: أنا مريض بكذا، وعلاج هذا المرض هو الدواء الفلاني، فكوني قد أخذت هذا الدواء فلابد أن يتم العلاج، وأن يذهب الداء وأن تذهب العلة؛ لأن هذا الداء يناسبه الدواء، فإما أن يتعاطى الرجل الدواء بنسبة معينة، فتوافق هذه الجرعات ما عندك من مرض.
أما تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام أتاه رجل وقال: (يا رسول الله! إن أخي يشتكي بطنه، فقال: أسقه عسلاً، فذهب فأمر أخاه أن يشرب العسل، ثم أتاه مرة أخرى فقال: (يا رسول الله، إن أخي لا يزال يشتكي بطنه، قال: أسقه عسلاً، فعل ذلك ثلاث مرات، وفي الثالثة قال النبي عليه الصلاة والسلام: صدق الله وكذبت بطن أخيك)؛ لأن الله تعالى صادق فيما أخبر سبحانه وتعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69].
يقول ابن القيم في شرح هذا الحديث: العلاج لا يؤثر في الداء إلا إذا ساواه في العطية.
فربما لا يذهب الداء إلا إذا أخذت جرعة بمقدار معين، أما إذا أخذت أكثر منها أو أقل فلا.
ألا ترون أن رجلاً يذهب إلى الصيدلية فيأتي بزجاجة من الأدوية فيتعجل الشفاء زعماً وظناً منه أنه لو تناولها كلها لكان ذلك أعجل في ذهاب المرض، فإذا به يموت أو يسم أو يمرض مرضاً خطيراً أعظم مما كان عنده، فيقول: كيف ذلك وقد أخذت العلاج أخذاً ربما لم يأخذه أحد مثلي؟! نعم لم يأخذه أحد مثلك، لكنك أخطأت الطريق، وربما وصفها لك الطبيب أن تشرب ملعقتين، فأنت شربت ملعقة واحدة، فقد أخذت جرعة أقل من الجرعة المطلوبة التي توازي مقاومة الداء، وهكذا في كل علاج.
هب أنك أخذت العلاج المناسب للداء، ولكن الله تعالى ما أذن لهذا الدواء أن يقوم بدور الطعام في البدن، وأن تكون في هذه الحالة قد قمت بأخذ السبب، كما لو أنك أردت أن تتزوج، وأن يكون لك ولد، فالسبب الموصل لحصول الولد أن تتزوج، ولا يتصور أن إنساناً عاصياً يقول: الله تعالى قادر أن يرزقني الولد بغير زوجة، فأنا أطلب من الله أن يرزقني الولد، ولكني أعزم ألا أتزوج، هذا لا يقوله إلا إنسان مجنون قد ذهب عقله.
أو يقول: الله تعالى قادر على أن يطعمني ويسقيني، نعم هو قادر على ذلك، ولكن القادر على ذلك هو الذي أمرك أن تأكل وأن تشرب؛ لأن الطعام والشراب سبب، وربما أكلت وشربت قدر ما يأكل عشرة وزيادة، ولكنك لا تشعر بالشبع ولا بالري؛ لأن الله أفقد من هذا الطعام خاصية الشبع، أراد لك أن تكون جائعاً مهما أكلت، فالذي يشبع في الحقيقة هو الله، والذي يروي من الضمأ في الحقيقة هو الله.
وربما تشرب، أو يشرب الإنسان الماء، ثم يشرب بعد الماء ماءً، وبعد الماء ماءً، وهكذا، ومع هذا يشعر دائماً بأنه عطشان، وإذا أراد الله تعالى لآخر أن يروى ولو بجرعة أو شربة ماء لكان ذلك، والله تعالى على كل شيء قدير.
إذاً: فلابد من اتخاذ الأسباب وعدم الركون إليها، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم)، يعني: من شرب ماء زمزم بنية أنه طعام طعم كفاه هذا الماء، وأنتم تعلمون أن أبا ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه ظل في أول العهد المكي في بئر زمزم أربعين يوماً ليس له من طعام إلا التمر، ولا من شراب إلا ماء زمزم، وخرج وقد صارت بطنه تجاعيد لحم من غذاء الماء، ومن غذاء التمر.
رجل لا طعام له إلا التمر والماء، مع أن الواحد منا الآن توضع أمامه المشنة من التمر والقلال من ماء زمزم، فإذا فرغ منها قال: أين الطعام؟ كأنه لا يعتمد على هذا، ولو لمجرد أنه سبب.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ماء زمزم لما شرب له).
تذهب إلى الحرم، وتشرب ماء زمزم بنية طلب العلم والجد فيه، وأن تبلغ فيه مبلغ السيوطي وابن حجر وفلان وفلان، وأنت في قمة الكسل لا