قال: [وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)]، يعني: لا يدخل الجنة من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وعيسى رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه إلا أن يعمل بمقتضى هذا الإيمان، وإلا كان لزاماً علينا أن نقول: إن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل، وهذا مذهب المرجئة كما هو مذهب الجهمية من باب أولى؛ لأن المرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق بالقول.
أما الجهمية فيقولون: الإيمان هو المعرفة القلبية بغير قول، وعلى مذهبهم ففرعون وإبليس مؤمنان، وإذا كان إبليس مؤمناً عند الجهمية فما بالك بمن دونه؟ فليس عندهم أحد يكفر بالله إلا من أنكر الله تعالى بقلبه ولم يعرفه.
أما أهل السنة والجماعة فإن الإيمان عندهم قول باللسان وعمل بالقلب والجوارح، ومن الأعمال ما هو شرط في صحة الإيمان، وهو الإيمان الواجب كما سماه ابن تيمية كما في الجزء السابع من مجموع الفتاوى فقال: الإيمان الواجب المتعلق بالواجبات والحلال والحرام، ومنه الإيمان المستحب، وهذا الذي ينفى في كثير من النصوص، نحو: (لا يؤمن أحدكم)، (ليس منا)، (أنا بريء)، (غضب الله)، (لعن الله) وكل هذه النصوص ظاهرها تدل على ترك الملة، ولكن معنى هذه النصوص -إن لم يستحل صاحبها مع قيام الحجة عليه- أنه نفي الإيمان المستحب الذي هو الإيمان الكامل.
فالنفي في هذه النصوص كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، والخوارج يحملون هذا النص على ظاهره وكذلك المعتزلة أن الزاني حين يزني كافر؛ لأن الأمر عندهم إيمان وكفر، وهذا الكلام قد شرحناه مراراً.
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أي: أدخله من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء.
قال: [وعن ابن عباس قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء)]، عندما تسمع هذا الحديث وأنت فقير لا تملك ما تتبلغ به إلى درس العلم فإنك لا تحزن حينئذ، لو أنك أتيت على قدميك إلى هذه المجالس المباركة الطيبة التي تتنزل فيها الرحمات، وتنزل فيها السكينة، وتغشاكم الرحمة من كل جانب، وتحضرها الملائكة، إذا كنت فقيراً لا تملك شيئاً وتعلم أن أكثر أهل الجنة الفقراء، وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم أي: بخمسائة عام، فلن تحزن أبداً.
قال: [وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)، والحديث في الصحيحين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن لحي بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب)]، والقصب: الأمعاء، أي: يجر أمعاءه في النار، وهو أول من أشار على أهل مكة بعبادة الأصنام، فهو السبب الأول في عبادة الأصنام في مكة.
قال: [وعن ابن عمر قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي)].
فقوله: إذا مات، أي: سواء دخل القبر أو لم يدخله.
(إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده من الجنة والنار) ومن قبل ذكرنا حديث: (ما من آدمي مؤمن أو كافر إلا جعل الله تعالى له مقعداً في الجنة ومقعداً في النار، فيفتح له أولاً باب في قبره إلى مقعده من النار، فإذا فزع قيل له: هذا مقعدك من النار لولا أنك آمنت بالله ورسوله، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويفرش قبره بفرش من فرش الجنة) كما في حديث البراء رضي الله عنه.
قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي) الغداة أي: الصبح.
والعشي أي: المساء.
قال: [(إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، حتى يبعثه الله يوم القيامة، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة).
وعن ابن عمر أيضاً قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي)]، وهذا فيه إثبات عذاب القبر ونعيمه.
قال: [(إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)،