إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جماع وجوب الإيمان بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، والميزان، والحساب والصراط يوم القيامة].
ذكر الإمام اللالكائي في هذا الباب حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أحد طرقه، قال: [(بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه عناء سفر -يعني: لا يبدو عليه مشقة السفر- وليس من أهل البلد -أي: ليس من أهل المدينة- يتخطى حتى برك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا للصلاة -أي: على هيئة التشهد- ووضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
وهذا فيه بيان لما أبهم في الرواية الأخرى، قال: (حتى أسند ركبتيه إلى ركبتيه) فقوله: إلى ركبتيه الضمير يعود على من؟ اختلف بعض أهل العلم فقالوا: إلى ركبتي النبي عليه الصلاة والسلام.
والبعض يقول: بل وضع يديه على ركبتي نفسه.
وقالوا: لأن وضع التلميذ يده على ركبتي أستاذه يتنافى مع الأدب.
لكن في حقيقة الأمر يعلم أنه جبريل، ويعلم أنه ليس تلميذاً لمحمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك ليس من حرج أن يضع جبريل عليه السلام يده على ركبتي النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: [(ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان -هذا هو الإسلام- قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم؟ قال: نعم.
قال: صدقت.
قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال: نعم.
قال: صدقت)].
الشاهد من هذا الحديث كله: قوله: (ما الإيمان يا محمد؟! قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تؤمن بالبعث بعد الموت، وأن تؤمن بالجنة والنار) وغير ذلك مما ذكر، فهذا جماع وجوب الإيمان بالجنة والنار والبعث بعد الموت، والميزان والحساب والصراط.