يقول الألوسي: (الخامسة: اختلف الناس في حقيقة الروح من سائر الطوائف، وكذا اختلفوا في أنها هل هي النفس أم غيرها؟ وهل هي جزء من أجزاء البدن أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه، أو جوهر مجرد؟ وهل النفس الأمارة واللوامة والمطمئنة نفس واحدة أم أنفس متعددة لها هذه الصفات أم هي ثلاث أنفس؟ وهل الروح هي الحياة أو غيرها؟ وهل هي مخلوقة قبل الأجساد أم بعدها؟).
وهناك مسائل كثيرة جداً أجاب عنها العلماء، الأولى السكوت عنها.
قال: (وأما الكلام على بقية المسائل فقد قال: ابن القيم عليه رحمة الله: والذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة: أنه جسم حادث مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس).
يريد أن يقول: أن الروح جسم، لكن يحكمها قوانين أخرى، وهي القوانين التي تحكم المشاهد أو الأجسام المرئية.
قال: (وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء -يعني: يتخلل البدن- ويسري فيه سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي هذا الجسم اللطيف متشابكاً لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة، وخرجت عن قبول الآثار فارق الروح البدن وانفصل بأمر الله تعالى إلى عالم الأرواح، كما قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]).
ثم يحيلنا الإمام الآلوسي إلى كتاب الروح لمعرفة المزيد من هذه المعلومات.
وهذا الكلام كله هو خلاصة البحث: أنني أؤمن إيماناً جازماً أن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر معلقة تأكل من ثمار الجنة حتى يردها الله عز وجل إلى أجسادها، وإذا كان كذلك فينبغي أن تكون أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين إذا كانت تفاوتت مراتبهم في الإيمان فكذلك تتفاوت مراتبهم في النعيم، لكن كلها في الجنة تسرح حيث شاءت، تأكل وتلتذ بنعيم الجنة على درجات متفاوتة؛ ولذلك الجنة مراتب ودرجات، فكل مرتبة هي أفضل ممن هي دونها، وكل مرتبة دونية هي أقل في النعيم ممن هي فوقها وكذلك أرواح المؤمنين.