قال: (المسألة الرابعة: وهي أن الروح هل تموت أم الموت للبدن وحده؟) جوابها: (اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: تموت الروح وتذوق الموت؛ لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت.
قالوا: وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26]، وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88].
يعني: إذا كانت الروح هي النفس، فلا بد أن تذوق الموت بنص القرآن.
(قالوا: وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس البشرية أولى بالموت) لأن مسألة موت الملائكة مسألة بعيدة عن الأذهان، ولكن المستقر عند عقيدة المسلمين أن الملائكة تموت، وأن آخر الملائكة موتاً من أصحاب التكليف هو ملك الموت.
والمسألة هذه في الحقيقة لم يرد فيها نص، والكلام فيها أنا أكرهه جداً كما أكره الكلام في القدر، فإذا كان الشرع قد عافانا من الخوض في هذه القضية فالأولى بنا أننا نتوقف.
(وقال آخرون: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان.
قالوا: وقد دل على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة).
وإذا كنا قد أيقنا أن روح المؤمن منعمة، وأن روح الكافر معذبة حتى يبعث الله المؤمن والكافر فيرد إليه روحه، إذاً: الروح لا تموت مع الجسد، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم.
فمن مِن الناس يعتقد أن الشهيد بعد أن يموت تموت روحه معه؟ لا أحد يعتقد ذلك.
أما حياتهم فإنهم يرزقون النعيم الأبدي السرمدي في القبر وفي يوم القيامة وإذا دخلوا الجنة، فحياتهم في قبورهم حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله عز وجل، كحياة الأنبياء تماماً بتمام، وشبهت هذا بذاك من جهة أنها علم غيب لا يعلمه إلا الله، لكن لا بد أن يكون هناك فارق؛ لأن الأنبياء أفضل من الشهداء بلا شك، وأنتم تعلمون أن أرواح المؤمنين متفاوتة، فإذا كان الأمر كذلك فأرواح المؤمنين في أعلى عليين.
كما أننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، فإذا كنا نعتقد أن المؤمن إذا مات صعدت روحه إلى السماء، أو دخلت الجنة فتنعمت فيها فالذي يبقى في القبر الجسد، فنحن لا نعتقد أن القبر روضة من رياض الجنة إلا إذا كنا نعتقد أن الجسد يتنعم ويُعذب، وليس بلازم أن يكون الجسد باقياً، وإلا لقلنا: إن الذي تأكله الأسماك في البحار أو تأكله حوادث الدهر، أو يُحرق أو غير ذلك، وقد انتهى بدنه لا يقع على بدنه العذاب، أو لا يقع لبدنه النعيم! وهذا مخالف لعقيدة المسلمين، فالله عز وجل على كل شيء قدير.