قال: [وعن عطاء قال: صل على من صلى إلى قبلتك.
وعن الحسن قال: إذا قال: لا إله إلا الله صل عليه.
وعن ربيعة الرأي قال: إذا عرف الله فالصلاة عليه حق]، أي: إذا كان موحداً فالصلاة عليه حق واجب له.
قال: [وعن مالك قال: إن أفضل ذلك وأعدله عندي إذا قال: لا إله إلا الله ثم هلك -أي: ثم مات- أن يغسل وأن يصلى عليه.
وعن أبي إسحاق الفزاري قال: سألت الأوزاعي والثوري: هل تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة وإن عمل أي عمل؟ قال: لا.
وعن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد مثله].
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قُرب إليه أحد أصحابه ليصلي عليه قال: (أعليه دين؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: هل ترك ما يؤدي عنه؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم).
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليست كصلاة غيره، والله تعالى قال: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]، أي: ادع لهم، وصلاة الجنازة دعاء، {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103].
فصلاته مخصوصة بهذا، والرجاء معقود في أن تكون صلاة الشفعاء جميعاً رحمة وسكينة للميت، وهذا مقطوع به في حق النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من أئمة الإسلام.
والنبي عليه الصلاة والسلام ما ترك الصلاة على هذا الرجل تكفيراً له، أو إخراجاً له عن الملة، أو لأنه ليس من أهل القبلة، والدليل على ذلك قوله لهم: (صلوا على صاحبكم).
ولو كان كافراً بهذا الذنب لما أمرهم عليه الصلاة والسلام أن يصلوا عليه.
والذي دفع النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول ذلك هو أنه مشرع، وقوله دين يُتعبد به إلى قيام الساعة، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين خطورة الدين، وأن يزجر الأحياء أن يقعوا في مثل ما وقع فيه الميت، وليس من باب أنه كافر أو أنه ليس من أهل القبلة، ولكن لزجر الأحياء أن يفعلوا مثله، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام ذلك في صاحب دين عليه ديناران، فإنه لما قال: (صلوا على صاحبكم، قام إليه أبو قتادة وقال: يا رسول الله! صل عليه وعلي دينه، ثم لما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي قتادة: هل أديت عن صاحبك؟ قال: يا رسول الله! ما هو إلا اليوم -أي: أنك لم تأمرني إلا اليوم والرجل ما مات إلا اليوم- فقال: اذهب فأد عن صاحبك، فذهب فأدى عن صاحبه في الليل وأتى في الغداة -أي: في صلاة الفجر- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين أبو قتادة؟ فقال: ها أنا يا رسول الله! قال: هل أديت عن صاحبك؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: الآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده).
وقال عليه الصلاة والسلام: (الشهيد يُغفر له كل شيء إلا الدين).
وقد قيل: إن هذه الأحاديث منسوخة بقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وله مال فلعياله، ومن مات وعليه دين فلي وعلي)، وفي رواية: (فإلي وعلي)، أي: يعطى من بيت مال المسلمين إذا لم يكن قادراً.