قال: [قال أبو سفيان: قلت لـ جابر: كنتم تقولون لأهل القبلة: إنكم كفار؟ قال: لا.
وعن سليمان اليشكري: أكنتم تعدون الذنب شركاً -أي: مخرجاً عن الملة- قال: لا.
وعن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود: أنهم كانوا يرجون لأهل الكبائر -أي: يرجون الله تعالى أن يغفر لأهل الكبائر-.
وصلى علي رضي الله عنه على قتلى معاوية.
وعن أبي أمامة قال: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح -أي: لا يجهزون عليه إذا أدركوه جريحاً ولا يقتلونه، وإنما يعفون عنه- ولا يطلبون مولياً -أي: الذي يهرب منهم لا يطلبونه، ولا يعدون خلفه لقتله- ولا يسلبون قتيلاً]؛ لأنه لا يُسلب إلا كافر، والسلب هو: أخذ متاع الفارس أو المقاتل، مثل أخذ فرسه وماله وطعامه وشرابه، وكل هذا لا يحل إلا في قتال الكافرين، ولما لم يفعل علي رضي الله عنه شيئاً من ذلك دل ذلك على أن مقاتليه لم يكونوا عنده كفاراً، ولذلك حينما سئل علي رضي الله عنه عن الخوارج: أهم كفار؟ قال: بل هم من الكفر فروا، قيل: إذاً فمن هم؟ قال: هم إخواننا بالأمس بغوا علينا اليوم، فما سماهم أكثر من بغاة، والباغي لا يزال الإسلام ثابتاً له.
قال: [وعن أبي الجوزاء قال: ليس فيما طلبت من العلم ورحلت فيه إلى العلماء وسألت عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعت الله عز وجل يقول لذنب: لا أغفر].
وكأنه يقول: ما سمعت أحداً قط ينقل عن الله ولا عن رسوله أن صاحب الذنب لا يغفر له، بل صاحب الذنب يغفر له إذا تاب من ذنبه.
قال: [وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه سئل عن أصحاب الجمل؟ فقال: مؤمنون وليسوا بكفار.
وعن ابن سيرين قال: لا نعلم أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم من التابعين تركوا الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثماً].
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يصلون خلف كل بر وفاجر، وعلى كل بر وفاجر، ما لم يكفر وما لم يشرك، وأما الكافر فإنه إن مات على كفره فإنه لا يصلى عليه؛ لأنه ليس أهلاً للصلاة عليه.
وهنا ينقل ابن سيرين عن جميع أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وعمن أدركه من التابعين أنه لم يترك أحد منهم الصلاة على فاجر تأثماً، أي: مخافة الوقوع في الإثم؛ لأنه لا يزال من أهل القبلة.
قال: [وعن النخعي قال: لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة]، أي: لم يكونوا يمنعوا الصلاة على أحد من أهل القبلة.
ومعلوم أنه عند إطلاق مصطلح أهل القبلة يدل على أنهم ليسوا على السنة ولا يعني أنهم كفار، فليس معنى أن الأشاعرة مثلاً أو الماتريدية أو المعتزلة أو المرجئة ليسوا من أهل السنة أنهم كفار، ولكن العلماء يفرقون بين قول: ليسوا من أهل السنة، وقول ليسوا من أهل القبلة، فإذا لم يكونوا من أهل القبلة فهذا يعني أنهم كفار، وأما كونهم ليسوا من أهل السنة فهذا يعني: أنهم من أهل القبلة.