قال: [سياق ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر].
وكذلك باقي علامات المنافقين.
فمعنى الحديث: أن المسلم إذا سب المسلم وقذفه فقد كذب، والكذاب فاسق ويزول عنه اسم الإيمان، وباستحلاله قتاله يصير كافراً.
وقال: (من علامات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر)، وغير ذلك من خلال وخصال المنافقين، لكن لا يكون منافقاً -أي: خارجاً عن الإسلام وداخلاً في دائرة الكفر- إلا إذا استحل هذا مع قيام الحجة عليه بحرمة هذا كله.
أما إذا وقع فيها مرة أو مرتين فإن هذا لا يضره، إلا على قدر ما قد أتى، أما إذا كان مداوماً عليه يشار إليه بأصابع الاتهام أنه مقيم على ذلك على اعتبار ما يفيده حرف (إذا) الذي يفيد الاستمرار، من أنه دائماً كذاب، ودائماً مخادع، ودائماً غدار، ودائماً فاجر عند الخصومة، وغير ذلك من الأعمال التي ذكرت في هذا الحديث.
وبعضهم قال: إن هذا الحديث ورد في رجل خاص بعينه، فهي حادثة عين في زمنه عليه الصلاة والسلام.
وبعضهم قال: بل هذا إنما هو نفاق العمل، وكل عالم يرجح قولاً من هذه الأقوال، كما اختلف ابن بطال عن الإمام الحافظ ابن حجر عن الإمام النووي، فكل منهما رجح قولاً من هذه الأقوال، ولا بأس أبداً بحمل الحديث أو بحمل هذه الأقوال كلها على الحديث، خاصة أنه ورد بصيغة العموم.
وهنا حديث مرسل من طريق الحسن عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن في أثناء الحديث ما يفيد باتصاله، وإن كان الذي يترجح لدي ضعف هذا الحديث.
قال: [قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، من إذا حدث كذب)]، (ومن) من صيغ العموم، (وإذا) تفيد الاستمرار، يعني: أي إنسان مسلم.
قال: [(إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)، هذه خمس خصال وخلال من علامات المنافقين.
قال: فسأل محمد بن محرم الحسن البصري فقال: لئن كان لرجل علي دين فلقيني فتقاضاني فخفت أن يحبسني أو يهلك عيالي، فوعدت أن أقضيه إذا رأيت الهلال، فلم أفعل، أمنافق أنا؟ فقال: حدثته ووعدت فأخلفته.
ثم قال: إن عبد الله بن عمرو حدث أن أباه لما حضره الموت قال: إني كنت وعدت فلاناً أن أزوجه فزوجوه، لا ألقى الله عز وجل بثلث النفاق.
قال محمد بن محرم: يا أبا سعيد! أيكون في الرجل ثلث النفاق وثلثان إيمان؟ قال: هكذا جاء الحديث.
قال محمد بن محرم: فحججت إلى بيت الله الحرام، فلقيت عطاءً، فذكرت له هذا الحديث، وما قال لي الحسن البصري.
قال عطاء: فقال: أعجزت أن تقول للحسن: أخبرني عن إخوة يوسف، ألم يعدو أباهم فأخلفوا، وائتمنوا فخانوا، وحدثوه فكذبوا، أمنافقين كانوا؟ أفلم يكونوا أنبياء؟ وأبوهم نبي وجدهم نبي؟] والحقيقة أنهم فعلوا ذلك قبل أن يكونوا أنبياء، فقد كانوا مسلمين، وعملهم هذا لم يخرجهم هذا من دائرة الإسلام.
قال: [قلت: يا أبا محمد! حدثني بأصل هذا الحديث وأصل النفاق، يعني: زدني فيما يتعلق بالحجة، قال: حدثني جابر بن عبد الله أن هذا الحديث خاصة في الذين حدثوا النبي عليه الصلاة والسلام فكذبوه، وائتمنهم على سره فخانوه، ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه.
فقال: وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن أبا سفيان قد توجه وهو في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا، قال: فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم، فأنزل الله عز وجل: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال:27]، ونزل في المنافقين: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:75] إلى قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:77] إلى آخر الآية.
قال عطاء: فإذا أتيت الحسن فأخبره بالذي قلته لك، وبأصل هذا، قال: فرجعت إلى الحسن فأخبرته بما قلت لفظاً وبما قال لي، قال: فأخذ الحسن بيدي فأشالها، ثم قال: يا أهل العراق! أعجزتم أن تكونوا مثل هذا سمع مني حديثاً فلم يقبله حتى استنبط أصله، صدق عطاء].
وهذا الحديث يغلب على ظني أنه ضعيف، خاصة وأن الحسن البصري إمام أهل البصرة، وإمام أهل السنة في زمانه، لا تخفى عليه مسائل الإيمان والكفر ما دق منها وجل وصغر وعظم، فلا يخفى عليه قط أن علامة المنافق لا تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام إلا إذا استحل هذا.
وهذا الحديث يقضي بأن الحسن البصري إنما عد أن من ارتكب هذه الخلال