انتهينا من الضرب الأول: وهو إجارة العين، والضرب الثاني: العقد على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، منفعة في الذمة: مثل خياطة الثوب، وبناء الجدار، وحفر البئر، وحرث الأرض وزرعها، وتلقيح الأشجار، وتلقيح النخل وجدادها، وصرامها، وحصاد هذا الزرع، ولقط هذا الثمر، كل هذا منفعة في الذمة، يعني: تستأجره على أن يعمل لك هذا العمل بأجرة معينة، تقول: استأجرتك أن تحصد هذه البقعة من الزرع -سواء حصدها في يوم أو في عشرة أيام أو في ساعة- بمائة أو بألف، هذه منفعة في الذمة يبذلها لك، أو تبني هذا الجدار الذي طوله كذا وسمكه كذا وعرضه كذا، بأجرة معينة، وإذا خشيت أنه يتلاعب في ذلك فلك أن تحدد له مدة، فتقول: في ظرف خمسة أيام أو شهر أو سنة، وإذا لم تفعل ذلك فإنك متساهل، ونضرب عليك غرامة عن تأخيرك ونحو ذلك كما تفعل ذلك الشركات التي تتقبل بناء الدور أو المساجد أو المدارس أو المشاريع الكبيرة، أو تتقبل إصلاح الطرق وصيانتها وتنويرها أو ما أشبه ذلك، وكل هذه منفعةٌ معلومة في الذمة يأتي بها ذلك المستأجر، ولابد أن تكون في شيء معين، أو موصوف، مثال الشيء المعين أن تقول: الطبخ في هذا القدر أو في قدر كذا وكذا، فهذه منفعةٌ معينةٌ من هذه العين، وكذلك أيضاً: العمل، إذا استأجرت الطحان لطحن هذا الكيس، هذه منفعة في الذمة، يطحنه بكذا، والغسال يغسل ثوبك بكذا، والقصار يقصره بكذا وكذا، والدباغ يدبغ لك هذا الجلد بكذا وكذا، والحلاق يحلق رأسك بكذا وكذا، هذه تسمى عقوداً على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، الشيء المعين: منفعة في هذه السيارة وهو الحمل عليها، والموصوف: منفعةٌ في خيمة كذا وكذا غير معينة، لا يقول: الخيمة الفلانية، أو يقول: تبني هذه الدار في المكان الفلاني كذا وكذا لأسكنها، إذا كان موصوفاً.
ويشترط تقديرها بعمل أو مدة، تقديرها بعمل: كالخياط يقدر عمله بالخياطة، وكذلك يقدر للمدة، فيقال مثلاً: لمدة شهر تبني داراً أو نحو ذلك، ويشترط معرفة ذلك وضبطه، معرفة الخياطة ونوعها، معرفة البناء ومقداره وارتفاعه وما أشبه ذلك.
وذكر أنه يشترط معرفة المنفعة وضبطها، يعني: نوع الخياطة وجنسها وصفتها، وارتفاع الجدار ونوع المادة التي يبني بها.
كذلك يشترط كون الأجير آدمياً جائز التصرف، والأجير في العادة يكون من الآدميين، لكن قد يستعين بالبهائم ونحوها، فالحفر -مثلاً- ما يكون إلا بالآدمي الذي ينزل في البئر ويحفرها، لكن إخراج التراب قد يحتاج إلى آلة، أو يحتاج إلى دابة يعلق فيها الدلو فيخرج التراب، ولكن الأصل أن الذي تعاقد معه آدمي.
وكذلك أيضاً: البناء، الأصل أنه يتولاه الآدميون، ولكن قد يستعملون الرافعة التي ترفع اللبن إلى السطح أو إلى المكان الرفيع أو الحيطان، وقد يستعملون الآلة التي تصب الصبة فوق السطوح، فهذه وإن لم تكن آدمياً ولكن الذي يستعملها آدمي.