ذكر المؤلف أن إجارة العين قسمان: الأول: إجارةٌ إلى أمد معلوم يغلب على الظن بقاؤها فيه، الثاني: لعمل معلوم، والغالب أن الذي إلى أمد تكون في بعض الأعيان التي تستغل غلتها ومنفعتها، ويجوز أن تكون المدة طويلة، ولكن يفضل ألا تطول طولاً يختلف به السعر، فقد رأينا أناساً أجروا دكاكين لمدة عشرين سنة، أجر هذا الدكان مدة عشرين سنة، وكل سنة -مثلاً- بعشرة آلاف، ثم في هذه المدة ارتفع السعر أو انخفض، فصار جيرانه يؤجرون -مثلاً- بخمسين ألفاً، وهو بعشرة آلاف مدة عشرين سنة! فيتأسف ويقول: هذا من الغبن، كوني أجرته عشرين سنة فارتفع السعر، وكذلك أيضاً: العكس، فكثير من الناس استأجروا أماكن لمدة عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وربما مائة سنة، ثم نزل السعر أو ارتفع، فصار الناس يؤجرونها بعشرة، وهو محسوبٌ عليه بعشرين أو بثلاثين، فيندم، فالأولى ألا تكون المدةُ طويلة، وذكروا أن أوقافاً في بعض البلاد أجرت لمائة سنة، وكل سنة بعشرين صاع من البر أو من التمر، وبعدما طالت المدة صارت مثلها تؤجر بعشرين ألفاً، وبثلاثين ألفاً، وهو لا يزال يستغلها بهذا الشيء الزهيد، وكانوا ما يؤملون ارتفاع الأسعار في كثير من المدن؛ فيكره أن تؤجر مدةً طويلةً يحتمل فيها تغير السعر بزيادة فيغبن المؤجر أو بنقص فيغبن المستأجر.
القسم الثاني: تأجير الإنسان -مثلاً- لعمل معلوم، كأن يستأجره لبناء حائط أو لحفر بئر أو لسقي نخل أو شجر، فلابد أن يكون العمل معلوماً، فتكون الخياطة -مثلاً- معلومة، نوعها كذا وكذا، أو معتاداً، ويكون البناء من كذا وكذا، من اللبن أو من البلوك أو ما أشبه ذلك، ومثل أيضاً: إجارة دابة لركوب إلى موضع معين أو لحمل إلى موضع معين، ومثلها أيضاً: السيارة، وفي هذه الحال لا تحدد المدة، والغالب أنها تخضع لعمل صاحبها الذي هو قائد السيارة أو سائق البعير، فأحياناً يستأجر السيارة من الرياض إلى القصيم ليحمل عليها متاعه أو أهله أو نحو ذلك، فيبقى في الطريق يومين، يسير بتؤدة، وأحياناً يقطعها في ثلاث ساعات.
فالحاصل أن هذا عمل معلوم، استأجرتك تحمل هذه البضاعة من الرياض إلى القصيم بمائة أو ألف سواءً وصلت في يوم أو وصلت في خمسة أيام أو في عشرة، هذا عمل معلوم، مثل: حمل لمتاع أو ركوب على دابة أو على سيارة أو ما أشبهها إلى موضع معين.