شركة الأبدان

قال المصنف رحمه الله: [الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة] .

سميت شركة الأبدان بهذا لأنه ليس معهما رأس مال، وإنما يشتركان في أبدانهما، كما قال ابن مسعود: اشتركت أنا وعمار وسعد بن أبي وقاص فيما نكتسب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء.

وهذه شركة أبدان تصح في الكسب المباح في الأبدان، وفي الأعمال البدنية، فإذا اشتركا في قطع النبات وهو أخضر أو يابس وبيعه، فهذا معه منجل يحش به وهذا كذلك، ويحملانه -مثلاً- على ظهورهما أو على دابتيهما أو سيارتيهما ويبيعان، أو اشتركا في الحطب، يحتطبان ثم يحملانه ويبيعانه، وكل واحد منهما يجمع ما يقدر عليه من الحطب، أو اشتركا في الصيد المباح كصيد الظباء، أو صيد حمر الوحش، أو الوعول، أو الأرانب نحو ذلك من المباح، أو اشتركا في صيد الجراد ونحوه، وكل منهما يجمع في هذه الأواني التي يجمعان فيها صحت هذه الشركة، وهكذا أيضاً إذا تقبلا في ذمتيهما أعمالاً كخياطة، كأن يشتركا في فتح دكان يخيطان فيه بالأجرة، فيستأجران الدكان، ويشتريان ماكنات الخياطة وما أشبهها، وكذلك لو اشتركا في تغسيل الثياب في مغسلة هذا يغسل من جانب، وهذا يغسل من جانب، أو هذا عليه التغسيل وهذا عليه الكي، أو اشتركا في صنعة مباحة كحجامة، أو حياكة، أو حلاقة، ويشاهد أن الحلاقين يستأجرون دكاناً، ويحلق كل واحد منهم، ويشتركون في الكسب بينهم.

أو يشتركون في البناء للناس بالأجرة، يبنون عمارات أو منازل عادية أو أسواقاً أو مساجد أو مدارس، يشترك جماعة ويأخذونها مقاولةً أو نحو ذلك، ثم يعطون عمالهم ما يستحقونه، والبقية يقتسمونها بينهم، فيصح ذلك.

وكذلك لو اشتركا في حرث، كالعمال الذين يشتركون في سقي نخل ثم يصرمونه ويبيعونه ويعطون صاحبه نصيبه، ويشتركون في الباقي.

وكذلك لو اشتركا في أيَّ معمل، ونشاهد أهل الورش يكونون شركاء، وأهل النقل -سيارات الأجرة، وسيارات النقل، أو ما أشبهها- قد يكونون شركاء.

فالحاصل أن شركة الأبدان شركة يكثر الاحتياج إليها، ويكثر وقوعها في الناس، والناس على ما يتعارفون فيها، ولو أن إنساناً أعطى كيسه ليُطحن عند رجل من هؤلاء الطحانين جاز له أن يطالب الثاني؛ لأنهما مشتركان في هذا الطاحون، أو أعطاه دقيقاً ليخبزه في هذا الفرن جاز أن يطلبه من الثاني، فيقول: أعطيت شريكك كيس دقيق ليخبز لي فأنت مطالب به؛ لأنك وإياه شريكان.

أو أعطاه سيارته ليصلحها في هذه الورشة، وغاب صاحبها الذي أعطاه، فإنه يطلب إصلاحها من الآخرين، فيقول: أنجزوها؛ فإنكم سواء في هذا المكان.

وإذا أعطى ثوبه واحداً ثم جاء ولم يخطه، فيطالب الآخرين بخياطته، ويقول: أنتم سواء في هذا المكان فعليكم أن تنجزوه.

أو أعطاه خشباً لينجره باباً، أو حديداً ليصلحه باباً، فإنه يطالب كل واحد منهم بإنجاز هذا العمل، ولا يقولون: لم نأخذ منك هذا العمل.

بل عليهم أن ينجزوا العمل الذي يتقبله واحد منهم؛ لأنهم كلهم معتمدون في هذا المكان، هذا معنى قوله: [فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به] .

مثلاً: تقبل واحد منهم أن يبني هذا الجدار، فأصحاب الجدار يطالبون الثاني، ويطالبون الثالث، فيقولون: أنجزوا الذي التزمتم به.

وهكذا لو تقبل أحدهم حفر هذه البئر، فيطالب الجميع أن يحفروها، وأن ينجزوا هذا الحفر، وهكذا لو أعطى الثوب واحداً فله أن يطالب الثاني بإنجاز خياطته، أو بإنجاز غسله أو نحو ذلك، فيُطالبُ كل منهما بما تقبله الآخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015