يقول المؤلف: [ويبيع حاكم ماله ويقسمه على غرمائه] .
أي: بقدر حصصهم، فإذا أحصى المال الذي صفاه ووجده عشرة آلاف، ووجد الديون ثلاثين ألفاً كلها حالة، ننظر نسبة المال إلى نسبة الدين، وهو الثلث، فكل واحدٍ منهم يعطى ثلث دينه، فالذي له ثلاثمائة يعطى مائة، والذي له ثلاثة آلاف يعطى ألفاً، والذي له ألفٌ وخمسمائة يعطى خمسمائة، وهكذا، وبذلك تحصل المساواة بينهم، ويحصل النقص عليهم كلهم.
ولو قال رجل منهم: أنا ديني قديم من عشر سنين، وهؤلاء دينهم جديد، ما أخذوه إلا من سنة، أو من نصف سنة؟
صلى الله عليه وسلم الجميع سواء، فكلهم حقهم قد حل، فيستوون في هذا المال.
واعلم أنه لا يجرد المفلس من كل ماله، بل يترك له بيت يسكنه، فإذا كان عنده بيتٌ يساوي مثلاً ثمانمائة ألف، فيبيعه الحاكم ويشتري له بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ليسكنه، ويقول: هذا بيت الفقراء، أما أن تسكن في هذا البيت الذي بثمانمائة ألف أو بمليون، فهذا بيت أثرياء وأغنياء، وأنت فقير، فيشتري بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ويسكنه فيه، ويقسم البقية الزائدة على الغرماء.
وإذا كانت عنده سيارة قيمتها ثمانون ألفاً يبيعها، وإذا قال: أنا لا أستغني عن السيارة.
فتشتري له سيارة بثلاثين ألفاً أو بعشرين ألفاً ولو مستعملة، ويقال: هذه سيارة الفقراء، لا تشترِ سيارة الأثرياء الأغنياء.
وكذلك أيضاً متاع بيته، إذا كان عنده شيءٌ زائد يبيعه، فإذا كان عنده مثلاً عددٌ من الصحون وعددٌ من القدور، وعددٌ من الكئوس، وعددٌ من الفرش وما أشبهها، فيترك له الشيء الضروري، ويبيع البقية ويقسم ثمنها، ويترك له الشيء الذي هو بحاجة إليه، مثل غسالة أو ماكنة خياطة إذا كان خياطاً، أو ثلاجةً صغيرةٌ مثلاً بقدره أو ما أشبه ذلك؛ حتى يبرئ ذمته، وإذا كان صاحب حرفة تركت له آلة حرفته، فإذا كان خياطاً تركت له آلة الخياطة، وقيل: تكسب وأنفق على نفسك، وأوفِ بقية دينك، وإذا كان مثلاً غسالاً فكذلك، وإذا كان حجاماً تركت له آلة حجامته، وإذا كان مثلاً بناءً تركت له آلة بنائه التي يشتغل ويبني بها، وهكذا بقية الحرف، أما إذا كان مثلاً صاحب ماشية، فيبيع من ماشيته ما يستغني عنه، ويترك له غنيمةً يشرب لبنها، ويبيع من نسلها، إلى أن يوفي دينه، وهكذا.
فالحاصل أن هذا دليل على عظم شأن الدين؛ لأنه حق آدمي؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، فيقول في الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والهرم، والجبن والبخل، والكسل والحزن، وسوء الأخلاق، وشماتة الأعداء، وضلع الدين، وقهر الرجال) ضلع الدين يعني: ضرره، وهمه، وأثره.