حكم من باع ماله قبل الحجر بدين مع بقاء المبيع في ملكه

من وجد ماله عند من أفلس بعينه ولم يتصرف فيه؛ فإنه أولى به، فيأخذه برأس ماله، ومن سلمه عين مال جاهلاً بالحجر أخذ عين ماله إذا الأموال وعوضها كله باق، ولم يتعلق بها حقٌ للغير.

من باع ماله قبل الحجر بدين، ثم حجر عليه وتلك العين التي باعها موجودةٌ في ملكه فإنه أحق بها بشروط: الشرط الأول: ألا تتغير صفتها.

الشرط الثاني: ألا يقبض من ثمنها شيئاً.

الشرط الثالث: ألا يتعلق بها حقٌ للغير.

الشرط الرابع: أن يكون البائع موجوداً.

الشرط الخامس: أن يكون المشتري موجوداً.

وتتضح هذه الشروط بالتمثيل فنقول: إذا اشترى منك كيس قهوة، ونفرض أنه بـ (1000) ريال، وبعد نصف شهر حجر عليه، ولما حجر عليه إذا بالكيس موجودٌ في ملكه، فإنك تقول: أنا أحق به؛ لأنه عين مالي، آخذه برأس ماله، فإذا قال الغرماء الآخرون: بل نحن نشاركك في قيمته، وتشاركنا في بقية المال، فإن لك الحق في أن تطالب بعين مالك، فتقول: هذا الكيس مالي، أنا الذي بعته، وما تغير، ولو لم يحجر عليه إلا بعد موتك لم يكن لورثتك المطالبة.

وهذا الكيس لو تغير كما لو أدخله المحامص فحمص، فإنه يكون قد تغيرت حالته، فلا تستحق الرجوع فيه.

وكذلك مثلاً لو رهنه عند زيد، فإنك لا تستحق الرجوع فيه؛ وذلك لأن حق زيد تعلق به، حيث قد رهنه بدين آخر، فلا تستحق الرجوع فيه، فيكون دينك كسائر الغرماء.

وكذلك لو مات المشتري ووجدت عين مالك عند ورثته، فأنت أسوة الغرماء؛ لأن غريمك قد مات، فليس لك إلا ما للغرماء، وكذلك لو غير عين المبيع، فلو كان المبيع مثلاً كيس حنطة، ثم إنه طحنه وتغيرت هيئته وصورته، فيكون البائع أسوة الغرماء، ليس له إلا مثل ما لهم، فيباع الكيس مع بقية ماله، ويكون المشتري أسوة الغرماء، وكذلك أيضاً لو غيره فلو اشترى خشباً مثلاً، ونجرها أبواباً فإنه قد تغير، أو اشترى أقمشة وخاطها ثياباً فإنها قد تغيرت، فتغيرت صفته، فيكون صاحبه أسوة الغرماء، فلا بد من هذه الشروط الخمسة: كون البائع موجوداً، وكون المشتري موجوداً، وكون المبيع لم يتغير، وكون الثمن باقياً لم يقبض منه شيء، وكونه لم يتعلق به حق للغير.

سواءٌ كان هذا المبيع غالياً أو رخيصاً، فلو كان مثلاً سيارة اشتراها منك ديناً بستين ألفاً، ولم يعطك من ثمنها شيئاً، بل ثمنها دين، ثم أفلس وحجر عليه، فطالب بسيارتك، وقل: أنا أحق بها برأس مالها، ولا أكون أسوة الغرماء؛ لأنك إذا كنت أسوة الغرماء فلا يبقى لك إلا مقدار ما حل من الدين، والدين المؤجل لا تعطى من عوضه شيئاً.

وكذلك السيارة إذا رهنها عند آخر، فإنه تعلق بها حق الراهن، فلا تستحق الرجوع فيها، فلا بد أن تكون أنت موجوداً، ولا بد أن يكون المشتري موجوداً، ولا بد أن تكون السيارة لم تتغير، ما صدم بها مثلاً، ولا غير شيئاً من عجلاتها، أو شيئاً من أدواتها، ولا بد ألا تقبض شيئاً من الثمن، ولا بد ألا يرهنها.

ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد عين ماله عند أحدٍ قد أفلس فهو أحق به) أي: بثمنه عند إنسان قد أفلس.

كذلك لو بعته عيناً ماليةً، ولم تدر أنه محجور عليه، ثم علمت بعد ذلك، فلك أن تستعيد تلك العين وتقول: أنا جاهل، ما علمت بأنه محجور عليه، وعين مالي موجودة، سيارتي موجودة مثلاً، أو كيسي موجود، يعني: أنك أحق به؛ لأنك جاهلٌ بالحجر، فتأخذها إذا كانت باقية بحالها، إذا كان عوضها كله باقياً في ذمته، ولم يتعلق بها حق للغير، ما رهنت مثلاً أو نحو ذلك.

ومما يذكرون في تعلق حق الغير: الجناية، لكنها خاصة بالعبد دون البعير والشاة والسيارة ونحوها، فيقولون: إذا اشترى منك عبداً مثلاً بعشرة آلاف، ثم إن العبد جرح إنساناً أو قطع منه إصبعاً، أو شجه في رأسه، أو أتلف شاةً لإنسان، فهذا قد تعلق به حق الغير، وهو المجني عليه، فلا تكون أنت أحق بثمنه، ولا ترجع فيه؛ لأن صاحب المجني عليه يقول: هذا العبد هو الذي جنى علي، فديني في ذمته، أو أرش جنايتي في ذمته، فلا ترجع فيه.

أما إذا كان المبيع شاةً أو بعيراً ثم إن هذا البعير رفس إنساناً فقتله، فهل يكون صاحبه المجني عليه أحق بثمن البعير أو أحق بالبعير بأن يقول: هذا البعير هو الذي قتل أخي، أو ابني؟

صلى الله عليه وسلم ليس كذلك؛ وذلك لأن البعير غير مكلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العجماء جبار) أي: هدر.

وكذلك الشاة لو دخلت حرثكم فأكلت الزرع مثلاً، فهل تقولون: نحن أحق بها من الغرماء؛ لأنها أكلت زرعنا، نقول: ليس كذلك، ولكن صاحبها يغرم لكم ما أفسدته، وتكونون أسوة الغرماء.

وإذا بعته سيارةً بستين ألفاً ديناً، ثم إنه صدم بها إنساناً فمات، أو صدم بها شجرة أو جداراً، فهل يقول ورثة ذلك الميت: نحن أحق بالسيارة التي صدمت ولدنا؟ الجواب: ليس كذلك؛ لأن السيارة جماد، إنما الذي يحركها هو الذي يغرم، فهو الذي يغرم الدية، وهو الذي يغرم قيمة الجدار مثلاً، أو قيمة الشجرة، فلذلك لا يلحق بمثل جناية العبد؛ لأن العبد مكلف عاقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015