قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والصلح في الأموال قسمان: أحدهما على الإقرار، وهو نوعان: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو عين، فيضع أو يهب له البعض ويأخذ الباقي، فيصح ممن يصح تبرعه بغير لفظ صلح بلا شرط.
الثاني: على غير جنسه، فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، وبعرض عن نقد وعكسه فبيع.
القسم الثاني: على الإنكار.
بأن يدعي عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، فيصح ويكون إبراءً في حقه وبيعاً في حق مدع، ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه.
فصل: وإذا حصل في أرضه أو جداره أو هوائه غصن شجرة غيره أو غرفته لزم إزالته وضمن ما تلف به بعد طلب، فإن أبى لم يجبر في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم، ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ، لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر، وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق، وكذا وضع خشب إلا ألا يمكن تسقيف إلا به، ولا ضرر فيجبر، ومسجد كدار، وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم شريكه للبناء معه أجبر كنقض خوف سقوط، وإن بناه بنية الرجوع رجع، وكذا نهر ونحوه] .
ذكر المؤلف في الفصل الأول: الصلح، وفي الفصل الثاني ما يلحق بالصلح من اصطلاح على الطرق وما أشبهها.
والصلح: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين.
وقد حث الله تعالى على الصلح في آيات عامة في أماكن عامة وأماكن خاصة، فمن العموم قول الله تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1] أي: احرصوا على أن تصلحوا ما يحدث بينكم.
أي: بين إخوانكم.
وقال الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] ، فجعل من الخير الإصلاح بين الناس، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين المتقاتلين، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] ، فإذا أدى الخصام بين المتخاصمين إلى القتال أو إلى النزاع فعلى المسلمين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، وذكرهم الله بالأخوة فقال: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) أي: جميعهم.
ولو تقاتلوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن الأخوة الإيمانية، فاحرصوا على الإصلاح بينهما، وذكروا كلاً بالإخوة الإسلامية، وبالأخوة الدينية، فإنهم متى تذكروا هذه الأخوة رجعوا عما هم عليه، وحرصوا على أن يصطلحوا فيما بينهم، سيما إذا كان الشقاق والنزاع على أمور دنيوية لا أهمية لها.
وكذلك أيضاً ذكر الله الصلح بين الزوجين في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] يعني: إذا حصل شقاق ونزاع فأراد المسلمون الإصلاح بين الزوجين بعثوا حكمين، فإن حرص الحكمان على أن يصلحا بينهما يوفق الله بينهما.
فهذا من حرص الشريعة على الإصلاح العام والإصلاح الخاص، وكذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} [النساء:128] وفي قراءة: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ، فيصطلحان على إسقاط بعض الحقوق حتى تأتلف القلوب، فتسقط الزوجة بعض حقها إذا خشيت أنه يميل عنها أو يطلقها، وكذلك هو أيضاً يسقط بعض حقه إذا رأى منها نفرة وخشي أن تنشز عنه، ويتدخل بينهما أولياؤهما حتى يصطلحا.