قال: [وللمرتهن أن يركب ما يركب وأن يحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن] .
هذه مسألة خلافية، ذهب الإمام أحمد إلى أنه يركب البعير المركوب، وتحلب الشاة المرهونة التي فيها لبن مقابل نفقته على البعير وعلى الشاة، واستدل بحديث صحيح مروي عند البخاري والإمام أحمد، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) ، فالإمام أحمد قال: لا عذر لنا في ترك هذا الحديث، فإنه حديث ثابت -والحديث صحيح في صحيح البخاري- فكيف لا نعمل به؟! وأما الأئمة الثلاثة فخالفوا في ذلك وقالوا: لا يركبه إلا بأجرة مثله، ولا يحلب الشاة المرهونة أو البقرة إلا بأجرة مثلها.
فيقولون: في هذه الحال إذا أنفق على البعير حسب النفقة عليه وزادها في الدين وقال: إني دفعت أجرة الراعي -مثلاً- كل شهر ثلاثين، وإني اشتريت له علفاً كل شهر بثلاثين فهي ستون يضيفها إلى دينه، وإذا باعه فإنه يأخذها من الراهن أو يطلبها من الراهن، فإذا احتاج وركب البعير -مثلاً- حسب أجرته، فإن ركب من كذا إلى كذا وأجرة مثله خمسون أو مائة يسقطها من دينه أو يسقطها من النفقة، هكذا ذكروا.
فإذا كان الرهن بعيراً، فقديماً كانوا يركبونه لا يجدون ما يركبون غيره قبل وجود المراكب الجديدة، وكذلك الحصان والحمر الأهلية، فالإبل والخيل والحمر والبغال تركب، وكذلك السفن والزوارق تركب، فإذا ركبها فإنه يحسب لها أجرة، ويسقطها من دينه، هذا عند الأئمة الثلاثة، وأما عند الإمام أحمد فإذا كان ينفق على الفرس أو على الحمار أو البغل أو البعير فركبه فإن ركوبه يكون مقابل النفقة، وإذا كان ينفق على الشاة أو البقرة أو الناقة وفيها لبن فيقول الإمام أحمد: يشرب لبنها، ويكون مقابل النفقة والأئمة الثلاثة يعملون بالحديث الذي ذكرنا: (لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه) فغرمه النفقة عليه، وغنمه لبنه أو أجرة ركوبه، والإمام أحمد جعل هذا مستثنى، وقد برر بعضهم مذهب أحمد فقال: إذا كان الرهن يشترط قبضه ولابد أن يكون في يد المرتهن كما إذا كان من الإبل فهذه الإبل فيها منفعة، فالناقة فيها لبن مثلاً، والبعير يركب، فلا تضيع هذه المنفعة، بل يحرص على استغلالها، وقد يشق عليه أن يستأذن المالك كلما أراد أن يشتري لها علفاً، ولا يجوز تركها بلا علف، وذلك لأنها محترمة، وإذا لم تعلف فإنها تموت، وكذلك أيضاً إذا كان فيها منفعة الركوب فلا تضيع منفعتها، فيكون إنفاقه بقدر ركوبه، وركوبه وإنفاقه متقاربان، فيركب البعير وينفق عليه، وكذلك ينفق على البقرة أو الناقة ويشرب لبنها، والأمران متقاربان، وكذلك الشاة ينفق عليها ويشرب لبنها ويكون اللبن مقارباً لعلفها ونحو ذلك، ولكل اختياره، وكل منهما عمل بحديث، فالإمام أحمد عمل بحديث خاص، وقال: هذا يخصص الأحاديث العامة، وهو حديث: (الظهر يركب إذا كان مركوباً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة) فلا عذر عن العمل بهذا الحديث.